لماذا لا تدعم “هتش” وذراعها “حكومة الإنقاذ” قطاع التعليم في إدلب؟

كان من الملفت للانتباه الإضرابات التي قام بها معلمون خلال الأيام الماضية في مناطق عدة شمال غربي سوريا الخاضعة لسيطرة تنظيم “هيئة تحرير الشام-هتش” وذراعها المدني “حكومة الإنقاذ”، وذلك للتعبير عن غضبهم من استمرار تجاهل “وزارة التربية” في “حكومة الإنقاذ” دعم قطاع التعليم في المحافظة، حيث يُعاني المعلمون منذ سنوات من عدم وجود رواتب أو دعمٍ منتظمٍ لهم سوى بعض السلال الغذائية التي يتم تقديمها من خلال المنظمات الإنسانية والتي تُقدر قيمتها بين 100 ليرة تركية إلى 400 ليرة، ولا يحصل عليها المعلمون بشكلٍ شهريٍّ، والأهم من كل ذلك أن تلك السلة لا تُقدَّم عبر “هتش” أو “الإنقاذ” وإنما من منظمات إنسانية تسعى لدعم القطاع التعليمي.

وقد طرح المعلمون في الإضرابات شعاراتٍ مؤلمة تشير إلى أين وصل حال المعلم، أبرزها أنهم “ليسوا متسولين”، وأن المشاريع الإغاثية لا تبني المجتمعات، وذلك لكون “هتش” جعلت من المعلمين فعلياً ما يُشبه “المتسولين” الذين ينتظرون السلال الغذائية دون السعي لتنظيم عملهم ودعم قطاع التعليم، وبحسب مصادر محلية فإن المنظمات كانت تدعم معلمي مدارس ضمن الحلقتين الأولى والثانية، فيما كان الدعم غائباً بشكل كامل عن معلمي الحلقة الثالثة.

وهنا السؤال يطرح نفسه: لماذا لا تدعم “هتش” قطاع التعليم؟ هل هي عاجزة عن ذلك؟ ماذا عن كثرة الموارد التي بيدها من معابر ومحروقات وضرائب تفرضها على التجار والمزارعين في محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي؟ لماذا لا تخصص جزءاً من تلك الموارد لدعم القطاع التعليمي؟ أين تذهب كل تلك الواردات ولجيوب من؟.. تلك الأسئلة وغيرها يبدو أن من حق كل سوريٍّ يعيش في شمال غربي سوريا طرحها على “حكومة الإنقاذ” لكونها وضعت نفسها كسلطة أمر واقع على المنطقة، وهنا يستذكر الكثيرون كيف أخرجت “الإنقاذ” بالقوة والتهديد العديد من المؤسسات التابعة للحكومة السورية المؤقتة من مناطق عدة في شمال غربي سوريا بعد تعاظم نفوذ “هتش” هناك، علماً أن “المؤقتة” كانت تقدم ولا تزال الدعم وفق إمكاناتها المتاحة للمعلمين في مناطق نفوذها.

وإن كان الدعم الذي تقدمه “المؤقتة” للمعلمين في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بحدود ألف ليرة تركية شهرياً -وهو مبلغ لا يبدو كافياً اليوم مع موجة الغلاء الكبيرة التي تضرب المنطقة-، لكنه يبقى يعطي نموذجاً أفضل عن الواقع مقارنةً مع وضع المعلمين في مناطق إدلب وريف حلب الغربي، خاصة أن “المؤقتة” منتظمةٌ في تقديم الرواتب بشكل شهري، كما إنها منتظمةٌ في موضوع دوام الطلبة وتوزيع الكتب على المدارس وتأهيل قطاع التعليم بشكلٍ ملحوظٍ تدريجيّاً عبر بناء المدارس والجامعات، وهذا ما يبدو غائباً بشكلٍ كبيرٍ عن مناطق نفوذ “هتش”.

ومما يجدر ملاحظته أنه وبالتزامن مع الإضرابات التي قام بها معلمو إدلب؛ افتتحت “حكومة الإنقاذ” مدرسة دينية في بلدة تفتناز شرقي إدلب، بحضور مسؤولين في تلك “الحكومة”، وهي فرع لمدرسة “دار الوحي الشريف” التي تحظى بدعم كبير من قبل “هتش”، وتعمل على ضمان ولاء الطلبة في شمال غربي سوريا.

ووفق مصادر إعلامية[1] فإن مدارس “دار الوحي الشريف” تحظى بدعمٍ كبيرٍ من قبل “هتش” وتصل رواتب المعلمين فيها إلى 150 دولاراً مع محفزاتٍ مختلفةٍ من ملابس ومساعدات في الوقت الذي لا يتلقى فيه آلاف المعلمين ليرة واحدة بالمدارس العادية التابعة لـ”وزارة التربية في حكومة الإنقاذ”، وتؤكد المصادر أن مدارس “الوحي الشريف” وصل عددها لقرابة 40 مدرسة، و لها مناهجها الخاصة، وتمويلها الذي يُقتطع باسم “التربية والتعليم” من واردات المعابر وتستهدف في الدرجة الأولى أبناء عناصرها والأيتام مع سعيها لاستقطاب أكبر عددٍ ممكنٍ من أطفال إدلب عبر تقديم امتيازاتٍ عدة مثل المواصلات المجانية والزي الموحد والتدفئة في وقتٍ يُعاني فيه الطلاب ببقية المدارس التطوعية من واقعٍ متردٍ للغاية سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى التعليمي نفسه أو على مستوى جودة المدارس.

ولا يبدو أن لدى سكان شمال غربي سوريا أيّ مشكلةٍ أو اعتراض على وجود مدارس أو معاهد دينية، إلا أنّ المشكلة في مثل تلك المدارس التي تشرف عليها “هتش” أنها تعمل على تنشئة جيلٍ تضمن ولاءَه عبر تربيته على  أفكارها التي تسعى لزرعها في المجتمع السوري، وتسخير الموارد المتاحة لذلك، مع غيابٍ كاملٍ تماماً لتسخير جزءٍ ولو يسير من تلك الموارد إلى دعم قطاع التعليم في منطقة إدلب وريف حلب الغربي وصولاً إلى المخيمات التي يتواجد فيها عشرات آلاف الأطفال الذين يتهددهم خطر الجهل. بل وبحسب مصادر محلية فإن “وزارة التربية” في “حكومة الإنقاذ” عملت على أخذ رسوم “اقتصاد” وهي المعروفة لدى السوريين سابقاً باسم “تعاون ونشاط” في بداية كل عام دراسي ضمن المدارس التي يعمل بها المعلمون بشكلٍ تطوعيٍّ، الأمر الذي أثقل كاهل كثيرٍ من الأهالي.

وبات من الواضح أن لدى “هتش” مساعيَ واضحةً من التقصد في تغييب الدعم عن قطاع التعليم في مناطق نفوذها، وهو إكراه الناس على ضم أبنائهم لمـدارس “الوحي” وغيرها من المدارس التابعة لها، وربما هذا ما يُفسّر هزالة البيان الصادر من “وزارة التربية” في “حكومة الإنقاذ” بعد الإضرابات التي شهدتها المنطقة، والذي جاء فيه حرفياً: “نؤكد في وزارة التربية والتعليم حرصنا التام على إعطاء مسألة  (المعلمين المتطوعين)  الأهمية التي تستحقها لما لها من أهداف سامية في المجتمع، وإننا نعدهم بمواصلة السعي على مدار الساعة لإيجاد الحلول الإسعافية المناسبة التي من شأنها عودة التعليم إلى مدارس المحرر”.

البيان المذكور بيّن أن “هتش” تسعى لحلول إسعافية لا دائمة، أي إنها ستعمل ربما على تقديم مبلغ مالي معين أو سلل غذائية لتحاول من خلال ذلك إسكات المعلمين، والادعاء بأنها استجابت لمطالبهم بشكل سريع، وهذا ما يبدو شبيهاً إلى حدٍ باستثمار “الجولاني” أزمة العواصف والثلوج التي ضربت النازحين مؤخراً في مخيمات شمال غربي سوريا ليخرج معلناً تقديم مليون دولار، ضمن جهوده المستمرة لتقديم نفسه على أنه “مهتم” بشؤون المنطقة وأمنها، وذلك بعد موجة كبيرة من الانتقادات التي طالت “هتش” جراء تجاهلها المستمر للواقع المتردي في المخيمات وتركها الأمر للمنظمات الإنسانية و”اليوتيوبرية” الذين يسعون لجمع التبرعات من هنا وهناك من أجل الحد من أزمة النازحين، على الرغم من أن الموارد المالية التي بيد “هتش” وذراعها “حكومة الإنقاذ” كفيلةٌ بحل جزءٍ كبيرٍ من أزمة النازحين والمعلمين…  فيما لو أُريد لها ذلك.


[1] تلفزيون سوريا، هيئة تحرير الشام تستثمر في المدارس الدينية مستغلة غياب الدعم عن قطاع التعليم، تلفزيون سوريا، 30 / 1 / 2022، الرابط: https://cutt.ly/kPzieWc

مقالات الكاتب

مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى