وفد الاتحاد البرلماني العربي في حضن الأسد.. هل يستحق كل تلك الضوضاء؟

في ظل الحماس الحالي لمعظم الدول العربية في اتخاذ خطوات جديدة للانفتاح على نظام الأسد استغلالاً لكارثة الزلزال وتحت شعارات “إنسانية” و”قومجية” جاءت زيارة الاتحاد البرلماني العربي للمرة الأولى إلى دمشق عقب اختتام أعمال مؤتمره الـ 34 في بغداد لتشغل في توقيتها وحجمها وسائل التواصل الاجتماعي، ولتُثير بدورها الكثير من التساؤلات، في مقدمتها أهمية هذه الخطوة في مسار التطبيع، وما تحمله من مدلولات ومؤشرات.

بدايةً لابد من التمييز ما بين الاتحاد البرلماني العربي الذي تأسّس عام 1974 في دمشق بهدف تعزيز “التضامن العربي” والتعاون البرلماني”، وأضحى يضم حالياً برلمانات لـ 22 دولة عربية من جهة، وما بين البرلمان العربي الذي أُنشئ بمقتضى قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في مارس 2005، حيث تم تشكيل البرلمان العربي الانتقالي حتى 2012 والتي تم فيها اعتماد النظام الأساسي للبرلمان العربي الدائم، وهو الذي صدرت عنه عدة مواقف حازمة تجاه نظام الأسد، كدعوته “سحب المراقبين العرب من سوريا، نتيجة استمرار النظام السوري في التنكيل وقتل المواطنين”، و”تجميد عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية”.

بالعودة للاتحاد العربي وبمراجعة سريعة لقائمة نشاطاته يظهر بوضوح أنها تقتصر في مجملها على الدراسات والتقارير واللقاءات والمؤتمرات الدورية، إضافة لنشاطات دولية روتينية لربما تتناسب فعلياً مع دور غالبية البرلمانات العربية منفردة في دولها.

جاء أول مؤتمر للاتحاد بعد انطلاق الثورة السورية في مؤتمره الثامن عشر في الكويت في مارس 2012، والذي غاب عنه ممثلو “مجلس الدمى السوري”، ليتبعه تجميد عضوية نظام الأسد تزامناً مع تجميد عضويته في جامعة الدول العربية، ولم يتبع ذلك أي دور ملموس لهذا الاتحاد في الملف السوري، وهو ما يظهر بوضوح من تتبع بياناته الختامية، فيما خلا إدماج بعض العبارات العامة في تلك البيانات كتعبيره في المؤتمر الرابع والعشرين عام 2017 عن “تضامنه مع سوريا ومساندتها في استرجاع الجولان ودعوته للحوار بين المكونات الوطنية السورية لإيجاد حلول وفق قرارات مجلس الأمن”.

إلا أن التغير الأكبر في مواقف الاتحاد جاءت في دورته الـ 29 في عام 2019 الذي عُقِد في عمان تحت عنوان “القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين” ليشهد عودة لمشاركة وفد نظام الأسد للمرة الأولى وسط أجواء ودية بين غالبية الوفود مع الوفد السوري، وهو ما سُبق برفعه توصية في نهاية 2018 لمجلس الجامعة العربية بإعادة عضوية نظام الأسد.

لتشهد السنوات الأخيرة مواقف عديدة للاتحاد تتبنّى رؤية نظام الأسد وتناصره؛ كإدانة “العدوان التركي” إبان عملية “غصن الزيتون”؛ ودعوة المجتمع الدولي لموقف حازم تجاه سلامة سوريا، وتبني رواية النظام عن الثورات بالتعبير عن ملاحظة الاضطرابات والصراعات في الأقطار العربية وانتشار الإرهاب.

لعل هذا الاستعراض لمواقف الاتحاد البرلماني العربي يدلُّنا على ثلاث نقاط أساسية في مسالة التعاطي معه، أولها: أن الاتحاد البرلماني هو مجرد انعكاس للقرار السياسي والمزاج العام وليس منشئاً له، بمعنى آخر فإن زيارة الاتحاد ووفوده تأتي كنتيجة للانفتاح العربي ولم تكن في أي حال من الأحوال بوابة له. ثانيهما أن تطبيع الاتحاد مع نظام الأسد سابق، وقد بدأ منذ 2019، إلا أن هذه الخطوة بقيت هامشية ولم تستطع المساهمة في عودة نظام الأسد لجامعة الدول العربية، أما النقطة الأخيرة والأكثر أهمية أن الوفود التي قامت بهذه الزيارة هي أصلاً وفود دول حليفة لنظام الأسد وهي (لبنان والعراق والأردن والإمارات وسلطنة عمان) أو ذات علاقات ودية معه (كفلسطين ومصر والمجلس الليبي التابع لحفتر)، ولم تضم أي دولة من المعسكر المناهض له حتى اللحظة وهي السعودية وقطر والكويت. وخاصة أن السعودية التي لم يشارك وفدها مع قافلة الاتحاد هي مركز الثقل الأساسي في عودة نظام الأسد لجامعة الدول العربية، وتحقيق الإجماع المطلوب بوصفها من يستضيف القمة العربية القادمة في الرياض.

كل ماسبق يُرجّح أن الضوضاء الإعلامية التي أحدثها نظام الأسد وحلفاؤه حول الزيارة وأبعادها هي مجرد “بروباغندا” إعلامية تندرج في إطار مساعي نظام الأسد إيهام السوريين القابعين تحت سيطرته بتغير المزاج العربي المقاطع له، وصناعة رأي عام إقليمي ودولي يظهر نظام الأسد كجزء مقبول في المنظومة الدولية. كل ذلك بطبيعة الحال لا ينفي فعلياً وجود خطوات عربية للتطبيع مع نظام الأسد واستمرار محاولات إعادته لجامعة الدول العربية، إلا أن مثل هذه الزيارات تبقى هامشية وغير مؤثرة في هذه المحاولات سلباً أو إيجاباً بحكم هامشية المؤسسة القائمة بها.

مقالات الكاتب

باحث مساعد في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى