العمالة السورية في تركيا .. تحديات متزايدة في ظل انخفاض العملة

شهدت الليرة التركية ولا تزال انخفاضاً حاداً في سعر صرفها مقابل الدولار الأمريكي، وانتقلت خلال أسابيع قليلة من حاجز 8.5 مقابل الدولار الواحد إلى حدود 12.5، ويأتي ذلك في سياق مساعي الحكومة التركية إلى خفض أسعار الفائدة والتي ترى أن لها أسباباً في زيادة معدلات البطالة وارتفاع التضخم.

وأياً تكن مبررات الحكومة التركية في هذه السياسة التي تمضي بها ومدى إمكانية نجاحها من عدمه؛ فإن تداعيات انخفاض سعر صرف الليرة بدأت تظهرُ بشكل واضح على شريحة كبيرة لا يُستهان من الشعب التركي وكذلك على ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا. وإن كان الرئيس التركي قد تعهّد بعد انخفاض الليرة التركية أكثر من مرة بأنه سيتم مراعاة ذلك في تحديد الحد الأدنى للأجور في العام المقبل 2022، إلا أن ذلك قد لا يحمل بالضرورة رسائل مطمئنة بالنسبة لأكثر من مليون لاجئ سوري في سوق العمل التركي.

وتعود أسباب مخاوف السوريين من أزمة الليرة الحالية إلى أنّ الكثير من أرباب العمل الأتراك وحتى السوريين -على الأرجح- لن يقوموا بمراعاة انخفاض الليرة التركية وما نجم عنها من ضعف القدرة الشرائية، وذلك على غرار ما جرى في الفترة الماضية، فالحد الأدنى للأجور الذي كان في حدود 2825 ليرة تركية وللموظف المتزوج بـ 3300 ليرة لم يكن الكثير من السوريين يحصلون عليه في سوق العمل التركي، بسبب استغلال أرباب العمل حاجة السوريين إلى العمل بأجور منخفضة.

ويبدو أن الأزمة الحالية لن تكون سهلةً إذا ما علمنا أن العمالة السورية تشكل ما نسبته 2.9% من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي وفقاً لإحصائيات الحكومة التركية، وهي شريحة عاملة في معظم المجالات بقطاع الورشات الصناعية والملابس والأحذية والإنشاءات والمحلات التجارية والزراعية وغيرها من المجالات بحسب دراسة أصدرها مركز الحوار السوري بعنوان “العمالة السورية في سوق العمل التركية”.

“محمد العبد الله” – لاجئ سوري يُقيم في مدينة إسطنبول ويعمل في مجال الخياطة- يرى أن الانخفاض الجديد في الليرة التركية ستكون له نتائجُ عكسيةٌ على السوريين من جديد في تركيا، ويشير العبد الله في حديث مع “منتدى الحوار الشبابي” أن أي زيادة على الرواتب بعد هذا الانخفاض لن تعوض مقدار خسارة الليرة التركية في مقابل الدولار.

وعلى نفس المخاوف؛ عرّج الشاب “سعيد إبراهيم” والذي يقول في حديثه مع “منتدى الحوار الشبابي” إن صاحب المصنع الذي يعمل به رفض حتى نقاش زيادة الأجرة، رغم انخفاض الراتب وانخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.

ويضيف إبراهيم أن انخفاض الليرة التركية ظهرت تداعياته في المحلات بشكلٍ سريع، خاصة المحلات السورية، حيث ارتفعت أسعار الكثير من السلع الأساسية بنسب كبيرة، وسط مخاوف من ارتفاعٍ جديدٍ يحل على أسعار الخضار وحليب الأطفال والأدوية وغيرها من السلع التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وبحسب الدراسة التي أصدرها مركز الحوار السوري فإنَّ العمالة السورية في تركيا تعرضت لحالةٍ من الاستغلال في مجال العمل، سواءٌ من أرباب العمل السوريين أو الأتراك، وسواء من ناحية الأجر أو من ناحية ساعات العمل الطويلة، وكذلك من حيث عدم الحصول على التأمين الصحي المعروف في تركيا بـ “السيغورتا”.

وبناءً على المعطيات الجديدة في سعر صرف الليرة؛ يبدو أن التحديات أمام العمالة السورية في تركيا ستزداد بشكل أكبر في المستقبل القريب، وهذا ستكون له نتائجُ سلبيةٌ من نواح متعددة وعلى رأسها:

1- ضعف القدرة الشرائية للسوريين في تركيا مع ارتفاع في إيجارات المنازل وقيمة الفواتير.
2- اضطرار الكثير من العوائل إلى تشغيل أطفالها لتحصيل قوت العيش.
3- ضعف كمية الأموال التي يتم إرسالها كمساعدات لذوي السوريين في الداخل السوري، خاصة إذ ما عرفنا أنّ قرابة 80 % من السوريين في تركيا يُرسلون أموالاً إلى ذويهم في سوريا بشكلٍ شهري، ومن شأن انخفاض الليرة أن يقلل من حجم الأموال المرسَلَة بسبب ضعف الليرة من جهة، وحاجة العائلة السورية إلى سد حاجاتها هنا في تركيا من جهةٍ ثانية.

من جهةٍ أخرى، كان لانخفاض العملة التركية أثرٌ سلبيٌّ حتى على مناطق الشمال السوري المحرر التي أخذت في الفترة الأخيرة تعتمد عليها لتكون بديلاً عن الليرة السورية، حيث ارتفعت أسعار المحروقات والكثير من السلع الأساسية بشكل ملحوظ، متأثرةً بتراجع الليرة التركية، وهو ما يزيد من صعوبة الأوضاع المعيشية على الناس هناك، وقد يدفع بالكثير من الشباب السوري إلى محاولة الهجرة من البلاد.

ختاماً؛ فإن المصاعب أصبحت تزداد أكثر على اللاجئين السوريين في تركيا، خاصةً مع الجو الاحتقاني الذي لا يكاد يهدأ ضدهم في ظل تحشيد بعض الأطراف في المعارضة التركية وتحميلها السوريين جزءاً كبيراً من المسؤولية عن التدهور الاقتصادي الذي عاشته البلاد، في وقتٍ يبدو فيه السوريون الحلقة الأضعف في مسلسل انهيار الليرة التركية، وهذا ما يستلزم ضرورة تشكيل جهات تكون قادرة على إيصال صوت السوريين لدى المسؤولين الأتراك لضمان عدم ضياع حقوقهم لدى أرباب العمل، كما أصبح من الضروري المسارعة بتشكيل منصات إعلامية موجَّهة إلى الإعلام التركي لتوضيح أنهم ضحية وليسوا جزءاً من المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد.

مقالات الكاتب

مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى