هل من دور للمؤسسات الدينية في تعزيز الثقة المجتمعية بين السوريين؟

في إحدى دراساته حول دور المؤسّسات الدينيّة السنيّة في المجتمع السوري يعرّج الشيخ أحمد معاذ الخطيب على قصة قرية بيت الشيخ يونس بصافيتا، وهي قريةٌ كاملُ سكانها من الطائفة العلويّة، إلا أن فيها فرعاً لجمعيّة التمدن الإسلاميّ ساهم بزيادة أعداد مقاعد الطلاب العلويين والدروز في الكليّة الشرعيّة، بل ويذكر سعي الجمعيّة لتأمين المنامة والدراسة والطعام لطالبٍ علويٍّ لإعانته على استكمال دراسته.

هذه الحالة من التكاتف الاجتماعيّ ربما تبدو مثاليّةً إذا ما قيست بحالة الانقسام الطائفي التي وصل إليها المجتمع السوريّ اليوم، خصوصاً في ظلّ تقوقع كلّ مكوّنٍ سوريٍّ على ذاته، وتقريباً شبه انعدام الثقة بالآخر نتيجةَ اصطفاف المكونات على طرفي نقيض، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى إطالة أمد الصراع،      وتعميق الشرخ المجتمعيّ.

لا شك أن طريق المؤسسات الدينية في استعادة الثقة المجتمعية ليس مفروشاً بالورود؛ فثمة تحديات كبيرة تعترضها؛ الصورة النمطية التي رسخت في أذهان شريحة واسعة من أبناء المجتمع السوري بمختلف مكوناته متمثلة في ارتباط هذه المؤسسات بالسلطة والنظام، إضافة الى تحديات ترتبط بشرائحها المستهدغة وخطابها التقليدي، كل هذه التحديات تجعل قدرة المؤسسات الدينية على تجاوزها محل شك.

إلى جانب هذه التحديات الذاتية المتعلقة بالمؤسسات الدينية نفسها، ثمة تحديات موضوعية مرتبطة بالسياق السوري؛ كتشتّت المجتمع السوريّ عبر العالم، واستقطابه ضمن ثنائيّات متعددة: مؤيد معارض، داخل خارج، إسلامي علماني…إلخ، إلى جانب الانقسامات الطائفية والعرقية والمناطقية والعشائرية، وفي بعض الأحيان الأسرية، بالإضافة إلى انتشار خطابات التخوين، فضلاً عن وجود بوادر تشكيك في هذه المؤسسات لدى الفئات الشابة في المجتمع في ظل انتشار حملات تستهدف الدين بشكل عام، وأدوار هذه المؤسسات بشكل خاص.

في مقابل هذه التحديات ثمة روافع أساسية للدور المتوقع من المؤسسات الدينية في تعزيز الثقة؛ يأتي في مقدمتها: تمتع بعض الشخصيات المنتمية لهذه المؤسّسات بالقدرة على التأثير في الحاضنة الشعبية، إلى جانب حضورها المجتمعيّ القوي داخل المناطق والبيئات المنتمية لها، والتي بدورها تشكّلُ طيفاً واسعاً ومؤثراً في المجتمع السوريّ يشمل شرائح من كبار التجار، إلى جانب كتل وازنة من الطبقات الاجتماعية المحسوبة على ذوي الدخل المتوسط والمنخفض. فضلاً عن أن تمويلها المستقل عن مؤسسات الدولة أعطاها هامشاً من الاستقلالية وحريّة الرأي والتعبير بعيداً عن قبضة نظام الأسد.

بعيداً عن الحديث عن التحديات والروافع الخاصة بهذه المؤسسة، يبقى التساؤل الأساسي ما هي مجالات الثقة المجتمعية التي يمكن لهذه المؤسسات ولوجها؟

نعتقد أن المجال الأساسي لهذه المؤسسات هو: إعادة بناء ثقة الأفراد ببعضهم، ويمكن تكريس ذلك عبر التركيز على مفاهيم العيش والتاريخ المشترك والثقة بالآخر في الخطب الدينية والمواعظ والمنشورات، إلى جانب إعادةُ تصحيح الصورة الذهنية عن المؤسّسات الدينيّة وتكريس فكرة استقلالها عن السلطة، والتواصل المباشر مع الحاضنة الشعبية، وتوسيع دائرة الاختصاصات في هذه المؤسسات لتضمن الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من أطياف المجتمع، إذ أنّ السمة المحافظة للمجتمع السوريّ تشكلُ بيئة مناسبة لزيادة تأثير هذه المؤسسات في موضوع بناء الثقة.

بالتوازي مع المجال الأول، يمكن للمؤسسات الدينية أن يكون لها دورٌ مهمٌ في إعادة بناء الثقة بين المؤسّسات السوريّة، وهو ما يقوم به حالياً بشكل نسبي المجلس الإسلامي السوري عبر تفعيله لجان الصلح كاللجنة الوطنيّة للإصلاح، والمشاورات المتخصّصة واللقاءات المتكرّرة مع المكونات السورية، ورعاية التوافق حول بعض المبادئ الوطنية، وتقريب وجهات نظر المكونات تجاه الأحداث السياسيّة التي تمسّ القضيّة السوريّة، كرعايته لإصدار وثيقة المبادئ الخمسة للثورة السورية.

قد يبدو الحديث عن دور المؤسسات الدينية وليس الإسلامية فحسب في دعم الثقة المجتمعية بعد أن وصلت الأمور إلى ما هي عليه حالياً نوعاً من الترف الفكري أو التنظري في نظر البعض، إلا أنه على العكس تماماً يفترض إثارة هذا الموضوع حالياً لعله يدفع هذه المؤسسات وغيرها إلى القيام بدورها في استعادة تلك الصور المشرقة من تاريخ سوريا الحديث، وبما يساهم في بناء هذه الثقة على مستوى الأفراد الذي قد يؤهل لاحقاً لثقة أوسع بين المكونات وبين المؤسسات.

مقالات الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى