البحث عن الكمأة.. بين الألغام ونيران مليشيات إيران

وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرة نظام الأسد والانهيارات المتسلسلة في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي ووصول سعر الصرف إلى ما يقارب 7400 للدولار الواحد، بات المواطن السوري وخصوصاً في مناطق سيطرة نظام الأسد شبه عاجزٍ عن توفير أبسط المستلزمات التي تبقيه على قيد الحياة، تزامناً مع شح فرص العمل وعدم وجود مصادر للدخل لدى الكثيرين.

أمام هذا الواقع الصعب الذي يدفع ثمنه السوريون وسط لا مبالاة نظام الأسد يضطر العشرات من السوريين إلى العمل مع بداية كل ربيع في جمع الكمأة التي تظهر في البادية السورية الممتدة بين دير الزور والرقة وحماة وحمص، رغم أنها باتت مهمة شبه انتحارية، إذ إنه ومنذ بدء الموسم لا يكاد يمر يوم عن سقوط قتيل أو مصاب بحوادث متفرقة من البادية السورية بسبب الانتشار الواسع للألغام، إلا أن فقر العوائل واضطرارها إلى تحصيل لقمة عيشها يدفعها للمخاطرة والتوجه نحو البادية السورية للبحث عن الكمأة، خصوصاً أن سعر الكيلو غرام الواحد منها قد يصل لراتب موظف في سوريا أو نصف راتبه في أقل تقدير، فسعر الكيلو سجّل ما بين 30 ألفاً إلى 85 ألف ليرة في دير الزور، أما في بقية المحافظات فقد يتراوح بين 150 ألفاً إلى 250 ألف ليرة سورية، أي أكثر من راتب موظف.

تلك الأسعار المرتفعة لما يسميه الكثيرون “اللحم النباتي” تجعل المدنيين يتحفّزون بشكل أكبر لجمعها، إلا أن المشكلة تبقى دائماً بنظام الأسد والمليشيات الموالية له، إذ تعمد حواجز النظام المنتشرة على أطراف المدن والقرى إلى محاصصة الأهالي بما جمعوه بعدما خاطروا بحياتهم لجمع رزقهم في البادية، وليس ذلك فحسب، بل إن مجموعات تابعة لنظام الأسد باتت تحتكر عمليات جمع الكمأة في بعض المناطق بالبادية السورية لتكون مصدر دخل لها يضاف إلى مصادر الدخل الأخرى من السلب والنهب والتعفيش وفرض الإتاوات على الحواجز العسكرية.

مجازر بالجملة في موسم 2023.. واتهامات لمليشيات إيران:

 ورغم المخاطر الناجمة عن جمع الكمأة من الألغام وما يبذله المدنيون من جهود لتخطيها والمخاطرة بأرواحهم؛ إلا أن ذلك قد لا يبدو مجدياً مع دخول مليشيات إيران على الخط في محاولة منها لاحتكار هذه التجارة وترهيب المدنيين عبر ترويعهم وارتكاب المجازر بحقهم. لعل من أبرز المجازر التي جرت خلال العام الحالي مجزرة الحادي عشر من شباط الماضي، إذ قتل نحو 53 مدنياً وأصيب العشرات من قبيلة “بني خالد” برصاص مسلحين يدّعي نظام الأسد أنهم من خلايا داعش في جنوب مدينة السخنة بريف حمص الشرقي.

لكن التنظيم من ناحيةٍ لم يعلن عن العملية، ومن ناحية ثانية أكدت الكثير من المصادر المحلية ضلوع مليشيات “فاطميون” المدعومة من الحرس الثوري بالعملية، خصوصاً أنها سبق ونفّذت عمليات مشابهة في السنوات الماضية في مناطق البادية تحديداً وبحق رعاة الأغنام وجامعي الكمأة بهدف سلبهم أرزاقهم، وضمن ذلك لا تخفى أيضاً الدوافع الطائفية الانتقامية للمليشيا.

وبالرغم من وجود خلايا لتنظيم داعش فعلياً في منطقة البادية السورية، إلا أن مناطق بادية ريف حمص الشرقي تُعتبر من نقاط الارتكاز الأساسية للمليشيات الإيرانية، خصوصاً أنها تتوسط الخارطة السورية وتعد صلة وصل بين مناطق النفوذ الإيراني في سوريا، ما يجعل الانتشار الأكبر في المنطقة لصالح المليشيات الإيرانية أكثر من تنظيم داعش الذي هو الآخر سبق وتبنى عمليات عديدة ضد قوات نظام الأسد والمليشيات الإيرانية، ومن المعروف عن التنظيم أنه يصدر بيانات عن العمليات التي يشنها، غير أنه لم يعلن مؤخراً عن أي عملية ضد جامعي الكمأة بالبادية، ما يزيد من الشكوك حول ضلوع مليشيات إيران بتلك الهجمات.

وسجّل شهر شباط الماضي أيضاً مقتل نحو عشرة مدنيين جراء انفجار لغم أرضي بسيارة كانت تقلهم خلال عملهم بجمع الكمأة في منطقة تل سلمة بريف سلمية شرقي محافظة حماة، كما سجل شهر آذار الجاري حوادث أخرى من بينها مقتل 5 أشخاص وجرح أكثر من 40 آخرين بانفجار لغم أرضي بشاحنة كانت تقل مجموعة من العمال المتجهين لجمع الكمأة بمنطقة كباجب في ريف دير الزور الجنوبي، علماً أن مصادر إعلام الأسد سجلت مقتل 18 شخصاً وإصابة 22 آخرين بينها حالات بتر منذ مطلع العام الحالي في دير الزور فقط بسبب انفجار الألغام.

لكن مما يضعف من صحة رواية نظام الأسد عن نسب حوادث قتل جامعي الكمأة بالألغام أو خلايا داعش هو أن من يقوم بجمع الكمأة ضمن مناطق سيطرة مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” شرق الفرات لم يتعرضوا لمثل هذه الحوادث المتكررة مقارنة بمناطق سيطرة نظام الأسد، رغم أن مناطق البادية الواقعة ضمن سيطرة “قسد” لها امتداد مع صحراء العراق وفيها انتشار واسع لخلايا تنظيم داعش.

وحتى مع التسليم برواية نظام الأسد عن أن انفجار الألغام هي السبب بمقتل جامعي الكمأة فإن ذلك لا ينفي مسؤولية نظام الأسد عن تلك المجازر المتكررة، لأن النظام ومنذ سيطرته على تلك المناطق لم يقم بما يلزم لإزالة الألغام والعبوات الناسفة ومخلفات الحرب في المنطقة، بل تركها تفتك بأرواح المدنيين، وجعل من أجسادهم كواسح ألغام من ينجو منهم يقاسمه في رزقه، ومن يُقتل يمشي في جنازته ويُشيّعه على وسائل إعلامه!.

الموقع الإلكتروني | مقالات الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى