السوريون في السودان؛ رحلة نزوح جديدة إلى المجهول

شهدت السودان منتصف شهر أبريل/نيسان من العام الحالي اندلاع مواجهات مسلحة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوى الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بسبب خلاف بين الطرفين على طبيعة النفوذ والتغلغل في الحياة السياسية. وتوسّعت الاشتباكات لتشمل مدناً كبرى مثل العاصمة الخرطوم، وتسبّبت بأزمة إنسانية كبيرة للمواطنين والمقيمين الأجانب في السودان لا يُعرَف متى يمكن أن تنتهي[1].

ويعيش في السودان قرابة 90 ألف سوري، من بينهم حوالي 65 ألف لاجئ فرّوا من قمع نظام الأسد. وتواجه الجالية السورية في السودان صعوبات كبيرة بسبب عدم وجود خطة إجلاء واضحة، وعدم اهتمام نظام الأسد بإجلائهم، على عكس الجاليات الأجنبية والعربية الأخرى التي سارعت حكوماتها لإجلائهم من السودان فور اندلاع المعارك[2].

يُلقي هذا التقرير المختصر الضوء على آخر تطورات أوضاع السوريين في السودان، وبوادر حلّ أزمتهم الإنسانية؛ وذلك عبر متابعة آخر ما نشرته وسائل الإعلام، والاطلاع على ما في المجموعات الخدمية الخاصة بالجالية السورية في السودان.

شرارة الخلاف:

نفّذ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع انقلاباً عسكرياً على حكومة عبدالله حمدوك الانتقالية المدنية في أواخر عام 2021، وأعاق هذا الانقلاب مسار الانتقال الديمقراطي للسودان بين العسكر والمدنيين، والذي تم الاتفاق عليه بعد الإطاحة بنظام عمر البشير. ومنذ ذلك الانقلاب لم تشهد السودان استقراراً سياسياً، وتعرضت لانهيار اقتصادي كبير أثّر في حياة المواطنين[3].

ومع تدهور الأوضاع زاد الضغط على العسكر لإجراء اتفاق سياسي يُعيد الاستقرار للبلاد؛ إلا أن قيادات الجيش والدعم السريع اختلفوا على طبيعة تنظيم الجيش في المرحلة الجديدة، وأدى هذا الخلاف إلى اندلاع مواجهات عسكرية بين الطرفين ما تزال مستمرة حتى الآن، دون وجود أية ملامح لاحتمال نهاية هذه الحرب في القريب العاجل[4].

الوضع الإنساني للسوريين:

مع بداية اشتعال المعارك في السودان واجه السوريون مشكلات كبيرة، مثل انقطاع الإنترنت والكهرباء والماء، وشحّ الوقود وارتفاع أسعاره بشكل مَهول. وتسبب انقطاع الإنترنت والاتصالات بقلق شديد لذوي السوريين، لاسيما مع اشتداد المعارك وعدم ظهور أية بادرة لهدنة أو حلّ لهذا الخلاف. كما تسبّبت حالة الفوضى هذه بانفلاتٍ أمنيّ أدّى إلى انتشار عصابات مسلحة بدأت بأعمال سلب ونهب، صارت تستهدف أي شخص يتحرك في شوارع المدن؛ مما جعل مسألة الخروج إلى مناطق أكثر أمناً مخاطرة كبيرة[5].

وتسبّبت الاشتباكات المستمرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان الحالي حتى اللحظة بمقتل 18سورياً بحسب ما نقلته وسائل إعلام، مع احتمال ارتفاع هذا الرقم بسبب عدم إمكانية الإحصاء الدقيق للضحايا في هذه الظروف واستمرار المعارك دون هدنة أو حلّ يوقفها[6].

النظام يتقاعس عن الإجلاء ويبتزّ العالقين:

في ظل تقاعس نظام الأسد عن إجلاء السوريين، ومع تجنُّب العديد من السوريين التواصل مع السفارة السورية بسبب وجود أسمائهم على قوائم المطلوبين بسبب نشاطهم في معارضة النظام؛ فقد قامت الأردن والجزائر والسعودية وتركيا بإجلاء عدد من السوريين ضمن القوافل التي أرسلتها لإجلاء رعاياها، وذلك بشكل مؤقت إلى حين تسوية أوضاعهم وانتقالهم إلى بلد آخر[7].

كما نقلت وسائل إعلام خبر موافقة مصر على استقبال عدد من السوريين الفارّين من المعارك في السودان وفق شروط، كان من أبرزها: استلام قائمة بأسماء السوريين الراغبين بدخول مصر من السفارة السورية في الخرطوم ليتم منحهم موافقة أمنية لدخول البلاد[8].

وقدّم الائتلاف الوطني المعارض مناشدة لحكومتَي السعودية ومصر للسماح للسوريين العالقين في السودان بدخول البلدَين وإجلائهم من السودان إلى مناطق آمنة حتى هدوء الأوضاع في السودان؛ لافتاً الانتباه إلى أنه تلقّى العديد من النداءات من السوريين العالقين وسط المعارك منتظرين إخراجهم من السودان[9].

وفي ظل صمت نظام الأسد عن هذه التطورات نقلت وسائل إعلام شبه رسمية عن مصدر داخل نظام الأسد قوله: “إنّ السفارة السورية في الخرطوم وجّهت إلى تسجيل أسماء الجالية السورية الراغبين بالإجلاء وفق الإمكانات المتاحة وفي إطار الحفاظ على حياة السوريين بعيداً عن الأخطار المحتملة، وإنّ دمشق تتابع هذه التطورات بقلق شديد”[10].

وما زال عدد كبير من السوريين عالقين في مدينة بورسودان المطلّة على البحر الأحمر بسبب عدم وجود خطة إجلاء لهم، وقضى العديد منهم أيامهم ولياليهم في الشوارع بسبب ارتفاع أسعار الفنادق والشقق بشكل كبير بعد اندلاع المعارك. وناشد العديد منهم السفارة السورية والحكومات الأخرى بتأمين حافلات أو طرق للخروج من السودان بأي شكل كان[11]، كما عجز بعض السوريين عن الخروج من السودان بسبب عدم حصولهم على أوراقهم الرسمية التي سلّموها للسفارة السورية وادّعت أنها ستعمل على تأمين عملية إجلائهم من السودان ولم تفِ بهذا الوعد حتى الآن[12].

ويواجه العديد من السوريين في السودان حالات ابتزاز لإخراجهم من الخرطوم، أو تأمين خروجهم من السودان إلى دولة أخرى مقابل دفع مبالغ مالية طائلة، وكان من بين هؤلاء المبتزين أحد العاملين بالسفارة السورية في السودان، وقد وردت عدة شهادات تذكر أنه يأخذ رشوة قدرها 2000-3000 دولار مقابل كل جواز سفر واحد يودّ صاحبه الرحيل من السودان[13].

الخاتمة:

تُظهر حالة اللاجئين السوريين في السودان وقبلها في لبنان وتركيا حالة الضعف والهشاشة التي يعيشها السوريون في الدول المضيفة، لاسيما وأن الصفة القانونية التي يتمتعون بها لم تسمح لهم بالحصول على حماية حقيقية من الدولة المستضيفة، ولا من المؤسسات الدولية المعنية التي لم تمارس المسؤوليات المنوطة بها.

كما لم يُظهر نظام الأسد -الذي يحاول أن يروّج نفسه نظاماً متماسكاً ودولة مستقرة- أي اهتمام حقيقي ب”رعاياه”، ولم يقدّم أية ضمانات، وإنما استغل معاناتهم واستثمر فيها وأمعن في ابتزازهم، وفرض على مَن يريد الإجلاء من السودان دفع تذكرة الطائرة التي ستقوم بنقله، وسط غموض يطال مصير العائدين، خاصة المطلوبين للتجنيد العسكري أو للفروع الأمنية.

كما أن مبادرات الإجلاء البسيطة التي قدمتها دول أخرى كالسعودية ومصر وتركيا وغيرها تشير بشكل واضح إلى أن ما قامت به حلٌّ مؤقت، وأنه يتوجب على الذين تم إجلاؤهم البحث عن مكان جديد للاستقرار؛ وهو ما يعني الدخول في رحلة لجوء جديدة نحو المجهول بعد أن أُغلقت في وجههم الأبواب وانتهت الحلول.


[1]  “كل ما تودون معرفته بشأن الخلاف بين البرهان وحميدتي”، العربي الجديد، 15/4/2023: https://2u.pw/za93HH
[2]  “مع احتداد الصراع: المرصد السوري لحقوق الإنسان يدعو إلى حماية اللاجئين السوريين في السودان”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 19/4/2023: https://2u.pw/1RvS3L
[3]  “منذ الانقلاب وحتى المواجهة.. لماذا وصل السودان إلى مرحلة القتال بين البرهان وحميدتي؟” يورونيوز، 15/4/2023: https://2u.pw/DTpIzf
[4]  المرجع السابق.
[5] “أوضاع مأساوية للاجئين السوريين في السودان.. ومطالبات بفتح ممرات مع دول جوار السودان”، المرصد السوري لحقوق الإنسان”، 24/4/2023: https://2u.pw/rh5asY
[6]  “فرّوا من الحرب ببلادهم فلاحقتهم.. سوريون تحت الرصاص في الخرطوم”، الجزيرة نت، 28/4/2023: https://2u.pw/eLiSVE
[7]  المرجع السابق؛ و”تركيا تسمح للسوريين الفارين من السودان دخول أراضيها لمدة 15 يوما فقط”، بلدي، 27/4/2023: https://2u.pw/3HyMfg
[8]  “الأردن تجلي سوريين من السودان”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 25/4/2023: https://2u.pw/OREOkF
[9]  “الائتلاف الوطني يناشد المملكة العربية السعودية ومصر للمساعدة في إخلاء السوريين العالقين في السودان”، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، 26/4/2023: https://2u.pw/2c2soc
[10]  “لا أحد ينظر إلينا”.. مصير مجهول ينتظر عشرات آلاف السوريين في السودان”، الحرة، 24/4/2023: https://2u.pw/y111tC
[11]  “شهادات مؤلمة لسوريين عالقين في السودان”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 29/4/2023: https://2u.pw/FAXJcg
[12]  “السوريون في السودان يبحثون عن “طوق نجاة” والنظام يتهرب من إجلائهم”، تلفزيون سوريا، 29/4/2023: https://2u.pw/cQdD54
[13]  “موظف قنصلي سوري يتقاضى مبالغ مادية إزاء إجلاء رعايا بلاده من السودان”، نورث برس، 28/4/2023: https://2u.pw/bxd5Vx
مقالات الكاتب

بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين وقضايا السورية، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى