هل تقود التغييرات على تشكيل الائتلاف السوري إلى تغيير في مواقفه؟

على الرغم من أهمية النقاشات الجارية حول سلسلة التغييرات التي أجراها الائتلاف الوطني السوري في نظامه الداخلي ومدى شرعيتها وقانونيتها، فإن قلة من النقاشات ركزت على الأثر المتوقع لهذه التغييرات على أداء الائتلاف الوطني في مختلف المجالات، ولعل من أبرزها: مواقفه من مسار الحل السياسي وملف إدارة المناطق المحررة ودور الحكومة المؤقتة.

صحيح أن هذه النقاط قد تكون هامشية نظراً لتراجع أولوية مسار الحل السياسي برمته وجموده وحصره باللجنة الدستورية من جهة، وضعف دور الائتلاف الوطني وذراعه التنفيذية “الحكومة المؤقتة” في إدارة المناطق المحررة من جهة ثانية، إلا أن الإضاءة عليها قد تفيد حتى في النقاشات الأولى على اعتبار أنه من المفترض أن أحد أهم أهداف التغييرات التي حدثت هو: تحسين أداء الائتلاف الوطني في مجالات عدة، منها هذين الملفين.

في مؤتمره الصحفي الذي عقد يوم الجمعة 8 نيسان 2022 أشار رئيس الائتلاف الوطني إلى أن عملية التغيير التي جرت ليس غايتها استبدال وجوه أو تغييرات إدارية، إنما تهدف لإصلاح العملية السياسية، وبلورة “رؤية سياسية جديدة ترتكز على مبادئ الثورة وتراعي المستجدات والمتغيرات على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي”، وهو ما شدد عليه أيضا الأمين العام للائتلاف الذي حذر من سيناريو “الانسداد السياسي” في حال لم يجر الائتلاف إصلاحات في نظامه الداخل، وهو ما يثير تساؤلاً حول مدى تأثير هذه التغييرات على موقف الائتلاف الوطني من مسارات الحل السياسي الحالية المتمثلة بـ “أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية” أو حتى مقاربة المبعوث الأممي غير بيدرسون “خطوة مقابل خطوة” التي يسعى إلى تطبيقها وحظي بدعم دولي وصفه بـ الصلب لتطبيقها.

بداية لابد من التأكيد أن المسار السياسي المرتبط بالملف السوري أساساً يعتمد نظرياً على طرفين “نظام الأسد وقوى الثورة والمعارضة”، وفي جميع جولات التفاوض السابقة وفي مختلف المسارات “جنيف أو أستانا” كان المعطل الحقيقي هو نظام الأسد وداعميه؛ مما يعني أن تصحيح المسار السياسي في جزء كبير منه يرتبط بنجاح الدول الفاعلة في الضغط على نظام الأسد لإجباره على الانخراط جدياً في هذا المسار.

في جانب آخر، بعد إخضاع مسار الحل السياسي للرؤية الروسية وحصره بـ “اللجنة الدستورية”، أصبح المسار برمته محكوماً بجملة من العوامل الخارجية أبرزها مواقف الدول الفاعلة، وإذا أخذنا بالاعتبار مواقف الدول الداعمة لقوى الثورة والمعارضة فقط، فهي بالمجمل داعمة للمسار الحالي؛ فتركيا -الحليف الأهم للمعارضة السورية- تؤيد هذه المسارات؛ حيث كانت شريكة وضامنة لـ “مسار أستانا”، وداعمة لمسار اللجنة الدستورية، وفي أحدث تصريح لوزير خارجيتها مولود تشاويش أوغلو خلال لقائه مع المبعوث الأممي دي مستورا أكد أن اجتماعات اللجنة الدستورية هي الحلقة الأهم في البحث عن حل سياسي لإنهاء ما أسماها بـ “الفوضى” في سوريا. كذلك مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشريكين فيما يسمى “اللجنة المصغرة” إذ أعلنا في أكثر من مناسبة تأييدهما للمسار الدستوري، كان آخرها البيان المشترك الذي رحب فيه ممثلو دول أصدقاء سوريا خلال اجتماع في واشنطن في آذار الماضي، بمقاربة غير بيدرسون “خطوة مقابل خطوة”، ودعوا إلى تحقيق “نتائج ملموسة في الجولة السابعة من مباحثات اللجنة الدستورية”.

إلى جانب الظروف الموضوعية المؤيدة لهذه المسارات السياسية، فإن الظروف الذاتية المرتبطة بقوى الثورة والمعارضة نفسها، وتحديداً الائتلاف الوطني تدل على انخراط أهم كتله في هذه المسارات بصورة رسمية أو غير رسمية، والتي ما تزال موجودة داخل الائتلاف بعد عمليات التغيير الأخيرة، والتي يتوقع أن تبقى ممسكة بقراره على المدى القريب لأسباب متعددة،

أبرزها:

1- طبيعة الجهات الجديدة التي ستدخل الائتلاف: ثمة حديث عن أنه سيكون هنالك إدخال مكونات جديدة تحظى بحضور وفاعلية في المشهد السوري، وهي: المجالس المحلية في الشمال السوري، والجاليات السورية في الخارج، والنقابات. ولو دققنا في طبيعة الجهات الثلاث، نرى أنها ليست ذات طبيعة سياسية، وإن كانت تهتم بالشأن العام، بمعنى أنها لا تقوم على توجهات سياسية معينة، وهذا ما يجعل قدرتها على التأثير في التوجهات السياسية الحالية للائتلاف الوطني محدودة.
2- عدد الأعضاء الجدد المتوقع: يتوقع أن تكون أعداد الشخصيات الجديدة التي ستدخل الائتلاف في حدود 30% كحد أقصى من العدد الحالي للأعضاء وهو /64/ عضواً. ونظراً لقدوم هذه الأعداد من مؤسسات وخلفيات متعددة فلا يتوقع أن يشكلوا كتلة واحدة، بقدر ما سيلتحقوا بالكتل الأساسية الحالية الموجودة ضمن الائتلاف الوطني.

بناءً على المعطيات الحالية، قد تساهم التغييرات التي طرأت على بنية الائتلاف الوطني في تمثيل مكونات لها حضور في المشهد السوري حالياً، لكن على مستوى المواقف السياسية، فإنه من غير المتوقع أن يكون هنالك أية تغيير وفقاً للعوامل الموضوعية والذاتية التي أشرنا إليها أعلاه.

على المستوى المحلي، أشار رئيس الحكومة السورية المؤقتة مؤخراً إلى أن التغييرات الأخيرة سيكون لها انعكاس إيجابي على العلاقة بين الائتلاف والحكومة المؤقتة والشارع السوري، وستزيد من التشاركية السياسية بين الشارع والائتلاف.

ولكن الظروف الموضوعية لا تشير كذلك إلى إمكانية تحقق ذلك، فمن المعروف أنه بعد العمليات العسكرية التركية (درع الفرات وغضن الزيتون ونبع السلام)، باتت جميع مجالس المنطقة تدار مالياً وإدارياً عبر “منسقين” تابعين للولايات التركية (غازي عنتاب – كلس – أورفا- هاتاي)، وأصبحت مرجعية قرار كل مجلس إلى حد كبير تعود إلى الولاية التركية التي يتبع لها. هذه الآلية انعكست بدورها على تهميش دور الحكومة السورية المؤقتة وحدت من نفوذها لدرجة أصبحت فيها صلاحيات مدير مكتب في مجلس محلي أوسع من صلاحيات وزير في هذه الحكومة.

بالتالي، حتى لو كانت هنالك تغييرات جوهرية في بنية الائتلاف الوطني، فإنه لا يتوقع كذلك أن يكون لهذا الأمر تأثير على آلية إدارة المناطق المحررة ودور الحكومة السورية المؤقتة، لأن العامل الأساس المؤثر في ذلك ليس قرار الائتلاف بقدر ما هو السياسة التركية.

يبدو أن التغييرات الأخيرة داخل الائتلاف بغض النظر عن دوافعها هي -في السياق الموضوعي السياسي والإداري للمناطق ذات الصلة- أقرب ما تكون إلى تغييرات شكلية وهيكلية، من دون أن يكون لذلك تأثيرات جوهرية على المواقف الموضوعية التي ستبقى محكومة بالتوازنات الدولية الخارجية.

الموقع الإلكتروني | مقالات الكاتب

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً كمدرس في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى