هتش والجماعات “الجهادية” في جبل التركمان، تفكيك بمنطق الأجهزة الأمنية

بدأت “هيئة تحرير الشام – هتش” حملة عسكرية وأمنية ضد عدد من المجموعات العاملة في منطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية، بهدف القضاء عليهم او إخراجهم من المنطقة، في تصعيد جديد ضد بقايا “المجموعات الجهادية” التي جل أعضائها من “المهاجرين”، انتهت هذه العمليات باتفاقين اثنين الأول كان مع كتيبة “جنود الشام” بقيادة “مسلم الشيشاني” القائد العسكري المعروف، والذي أفضى إلى تأمين خروجه من المنطقة بشكل آمن تحت وساطة “الحزب الإسلامي التركستاني” القريب من الطرفين، والاتفاق الآخر كان مع مجموعة تسمى “جند الله” ، في هذا التقرير نحاول رصد هذه التطورات وخلفياتها.

مقدمات هذه الحملة جاءت قبل عدة شهور من الآن، حين استدعت “هتش” “مسلم الشيشاني” عن طريق جهاز الأمن العام التابع لها، وأبلغته بوجوب مغادرة المناطق التي يسيطر عليها او الانضمام لها دون إبداء الكثير من التفاصيل بحسب البيان الذي أخرجه “مسلم” فيما بعد، الأمر الذي نفته “هتش” حيث أكدت في تصريح أخرجه “تقي الدين عمر” مسؤول العلاقات الإعلامية فيها أن مجموعة “جنود الشام” تتستر على بعض المطلوبين لقضايا أمنية وجنائية، وأن قيادة المجموعة لا تتجاوب مع جهاز الأمن التابع لها، الأمر الذي نفاه كذلك “مسلم” معتبراً أن الجميع يشهد لهم ببعدهم عن الفتن والخلافات وأن اتهامات “هتش” لا أساس لها من الصحة.

استمرت المضايقات والتحريشات بين الطرفين وأخذت “هتش”شيئاً فشيئاً تأخذ إجراءات عملية أكثر للتضييق على “مسلم” ومجموعته، وصولاً إلى التحشيدات العسكرية الكبيرة لها قبل أيام قليلة على جبل التركمان، لم يكن الهدف المعلن من قبل “هتش” هو القضاء على جماعة “مسلم” تحديداً، حيث كانت تقول إن هدف حملتها هذه هو القضاء على بعض المفسدين “والخوارج والتكفيريين” الذين تؤوييهم بعض المجموعات في منطقة جبل التركمان، فيما يبدو وكأن “هتش” كانت منذ البداية ترغب في دفع العملية نحو مسار المفاوضات والاتفاقات، الأمر الذي تم لها في نهاية المطاف.

وبعد خروج “مسلم” وجماعته نحو مناطق آمنة حسب تعبير إعلام “هتش”، باتت أهدافها من العملية أكثر تحديداً ووضوحاً، حيث صرحت أنها منذ البداية كانت تهدف إلى القضاء على جماعة “جند الله”، وهي جماعة أغلب قيادتها أذريين وكانت تابعة لشخص “مهاجر” يدعى “أبو فاطمة التركي” والذي قتل في مرحلة سابقة في غارة للتحالف، واتهمت “هتش” المجموعة بأنهم “خوارج وتكفيريون” ويتبعون “لتنظيم الدولة”،  وبعد أيام من القتال ووقوع قتلى وأسرى من الطرفين، توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بخروج الجماعة من المنطقة وتسليم مقراتها ونقاط رباطها إلى “هتش”، الأمر الذي يضرب رواية “هتش” حول الدوافع التي جعلتها تهاجم الجماعة بحسب رأي متابعين وخصوم “لهتش”، فلو كانت هذه المجموعة من الخوارج فلا يجوز “لهتش” أن تعقد اتفاقاً معهم وتسمح لهم بخروج آمن فضلاً عن إطلاق سراح معتقليها حسب رأيهم، مما يعني أن اتهامات “هتش” للجماعة لا أساس لها من الصحة أو أن القضاء عليها لم يكن هو الهدف الأساسي وإنما كان هدف “هتش” هو إخلاء منطقة التركمان والاستفراد بالقرار العسكري والأمني فيها.

تعكس هذه التطورات السابقة عدداً من الإشارات المهمة التي ينبغي التنويه لها، فبداية يبدو أن “هتش” ماضية في مشروعها الرامي إلى الاستفراد بالقرار العسكري والأمني والإداري في جميع نواحي المحرر، ولن تكون راضية بعد الآن بوجود بعض الجيوب الخارجة عن سيطرتها والتي من الممكن أن يختبأ فيها بعض مناوئيها وخصومها، ولن تقبل كذلك أن ينفرد فصيل أو جماعة ما دون التنسيق معها بنقاط الرباط وخطوط التماس العسكري، خصوصاً مع المناطق ذات الأهمية والحساسية العالية مثل مناطق جبل التركمان القريبة من المصالح الحيوية الروسية في سواحل سوريا، حيث تسعى “هتش” إلى الحفاظ على الهدوء العسكري على جبهات القتال ولا ترغب بإفساد اتفاق التهدئة الموقع بين كل من روسيا وتركيا.

مما يعني أن “هتش” تنظر إلى نفسها وتقدم نفسها على أنها مشروع دولة وحكم محلي متماسك قادر على ضبط الأمور، ومما يؤكد هذا المعنى التصريح الذي خرج به “أبو الفتح الفرغلي” شرعي “هتش” في بداية تصعيدها، حيث ذكر أن “الاقتتال الفصائلي في المحرر ذهب من غير رجعة قبل سنتين من الآن” في إشارة إلى تغلبها على فصيلي “الزنكي” و”أحرار الشام” وإمساكها بزمام الأمور بشكل كامل وتنصيب حكومة الإنقاذ التابعة لها، مما يعني أن “هتش” تنظر إلى تحركها الأخير هذا وإلى تحركاتها في المستقبل كذلك على أنه حق مشروع لها بما أنها هي صاحبة القرار  والحكم، ولعل الطريقة التي يتناول بها إعلام “هتش” هذه الأحداث والأوصاف التي يطلقها على المجموعات التي يلاحقها تضيف كذلك شيئاً من الوجاهة لهذا التحليل، فالنبرة المتعالية في الخطاب ووصف الملاحقين بأنهم “مجاميع” و”فلول”، وتوصيف العمليات التي تقوم بها “هتش” بأنها عمليات “تطهير” و”ضبط”، تشبه إلى حد ما الطريقة التي تتناول بها الأجهزة الإعلامية في الدول عملياتها الأمنية الداخلية.

من جانب آخر، فإن “هتش” بملاحقتها للفصائل والجماعات “الأكثر تطرفاً” تستمر في تقديم نفسها بثوب الاعتدال والوسطية الذي بدأت بالتمسك به منذ فترة، وتطلق رسائل خارجية متعددة الاتجاهات إلى الأطراف الإقليمية والدولية مفادها أن “هتش” شريكة في الحرب على الإرهاب وأنها مستمرة في تطهير نفسها ومناطق المحرر من الأطراف والأشخاص الذين يشكلون تهديداً وخطراً خارجياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن “هتش”  تفعل هذا بمبضع الجراحة الأمنية المحددة والضيقة لا العمليات العسكرية المفتوحة والشاملة، حيث أنها قد تكون قادرة من الناحية النظرية على القضاء على جميع “الجماعات الجهادية” الأخرى من خلال العمل العسكري، إلا أنها تفضل عوضاً عن ذلك التفكيك الأمني المتقطع الذي لا يثير حفيظة كل “الجهاديين” دفعة واحدة من جهة، ويبقي في يدها أوراقاً للمناروة والاستخدام كلما دعت الحاجة إلى ذك من جهة أخرى.

من جانبهم فإن خصوم “هتش” من بقايا “الجماعات الجهادية” وبعض “الشرعيين”، يكيلون لها جراء هذه التحركات العديد من الاتهامات، ابتداء من البغي والظلم وصولاً إلى “العمالة والخيانة”، حيث يقول هؤلاء إن “هتش” تسعى إلى إفراغ الجبهات من المقاتلين وتسيطر على المناطق تحضيراً لتسلميها والانسحاب منها في حال شنت ميلشيات النظام والروس عملية عسكرية جديدة، ويستشهدون في اتهاماتهم هذه “ببغي” “هتش” سابقاً على فصيل “الزنكي” في مناطق ريف حلب الغربي وإخراجهم منها مما سهل عملية سقوطها، وكذلك “حركة أحرار الشام” في منطقة قلعة المضيق، وسواء كانت “هتش” بالفعل تنفذ هذه المخططات بوعي وقصد أم لا، فإن هذه التحركات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إخراج المقاتلين من نقاطهم التي عرفوها وحصونها جيداً وتسليمها إلى آخرين جدد لا يملكون ذات المعرفة والخبرة يؤدي عملياً إلى إضعاف خطوط الرباط وتسهيل عملية سقوطها بيد النظام وأعوانه.

ختاماً، خرجت “هتش” من هذه الأحداث وقد جنت العديد من المكاسب داخلياً وخارجياً، فقد استطاعت أن تثبت مجدداً سيطرتها وقوتها داخياً، مما يعني رفع أسهمها وفرصها أكثر خارجياً، خصوصاً وأنها استهدفت في عمليتها الأخيرة مجموعات مصنفة إقليمياً ودولياً، ولكن ومن جهة أخرى لا يبدو أن هذه التحركات تساهم في تقريب “هتش” من قوى الثورة والمعارضة أو من عموم الحاضنة الثورية بشكل أكبر، حيث تدرك تلك الأطراف أن “هتش” بتحركاتها هذه لا تسعى ابتداء إلى خدمة مصالح الثورة وأهدافها وإن تقاطعت معها في نتيجتها الأخيرة، كما أن هذه المشاهد تعيد إلى الأذهان سلسلة القضم والتفكيك التي قامت بها “هتش” ضد عشرات الفصائل الثورية، والتي حتى الآن لا يبدو أنها مستعدة للاعتذار عنها.

مقالات الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى