السوريون في تركيا بعد الانتخابات.. هل هدأت موجة العنصرية؟
انقضت انتخابات تركيا بعد جولتين كان التنافس فيهما محتدمًا لأبعد الحدود، وأفضت إلى فوز رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية جديدة تمتد إلى عام 2028، في خيار يراه العديد من السوريين في تركيا أنه الأفضل مقارنة باحتمال فوز كمال كلتشدار أوغلو الذي ارتكزت حملته الانتخابية على مهاجمة السوريين والتوعد بترحيلهم، وبالأخص بعد انتهاء الجولة الأولى.
لم يكن الوضع سهلًا على السوريين خلال الأشهر الماضية؛ إذ تحوّل وجودهم إلى مادة أساسية لجميع الأحزاب السياسية من مختلف التوجهات، وزاد الوضع سوءًا حصول المرشح الرئاسي المعادي للاجئين، سنان أوغان، على نسبة تفوق 5% في الجولة الأولى، وحصول حزب الظفر المعادي للاجئين على نسبة تقارب 2.5% في الانتخابات البرلمانية[1]، جعلتهما يصعدان إلى مرتبة “صانع الملوك”؛ ما أدّى إلى تسابق الحكومة والمعارضة لكسب ودّهما من أجل الحصول على الدعم في الجولة الثانية.
قد يكون التيار القومي المتطرف المعادي للاجئين هو الرابح الأكبر من هذه الانتخابات، إذ قرر سنان أوغان دعم أردوغان في الجولة الثانية، وقرر أوميت أوزداغ رئيس حزب الظفر دعم كلتشدار أوغلو، بشكل جعل بعض المحللين يرون أن الأمر جرى بالاتفاق بينهما لتحقيق مكاسب لهذا التيار بغض النظر عن الفائز[2]. على سبيل المثال: وضع سنان أوغان شروطًا من أجل دعم أردوغان كان من أهمها وضع خارطة طريق لإعادة السوريين إلى بلادهم، واستمرار مكافحة الإرهاب، وغير ذلك من الشروط، وتفاخَرَ أوغان مرارًا وتكرارًا بأنه أجبر الحكومة والمعارضة على سماع صوت القوميين الأتاتوركيين[3]؛ بينما في الطرف الثاني أجبر أوزداغ كلتشدار أوغلو على التوقيع على بروتوكول تضمّن شروطًا مشابهة لتلك التي وضعها أوغان، ولمّح إلى حصوله على وعد بتوليه وزارة الداخلية في حال فوزهم في الجولة الثانية[4].
ما بعد الانتخابات
مع انتهاء الانتخابات بفوز أردوغان مرة أخرى، هدأت نسبيًا الحملة على السوريين من قبل الحكومة والمعارضة، وأدرك العديد من الصحفيين والسياسيين القريبين من المعارضة أنه لا يمكن الفوز باستخدام خطاب الكراهية والتوعد بترحيل اللاجئين؛ وهذا ما قاله رئيس بلدية بولو تانجو أوزجان، على سبيل المثال، رغم استمراره بتبني الخطاب نفسه، إذ قال إن أصوات أردوغان لم تنخفض رغم وعده بإبقاء اللاجئين وعدم ترحيلهم قسرًا[5].
قد تكون هناك بعض الأصوات التي حاولت زيادة الضغط على السوريين ليلة الانتخابات واليوم الذي يليه، مثل الادعاء بأن السوريين المجنسين كانوا هم العامل الذي حسم الانتخابات[6]، ولولاهم لفاز كلتشدار أوغلو، إلا أن هذه الادعاءات سرعان ما نفاها مسؤولو حزب الشعب الجمهوري وعدد من الصحفيين القريبين من المعارضة، وأكدوا أن الأجانب المجنسين الذين شاركوا في الانتخابات لا يتجاوز عددهم 240 ألفًا فقط[7].
ومع انتهاء الانتخابات وبداية مرحلة مراجعة الأخطاء، بدأت بعض الشخصيات البارزة المعروفة بمعارضتها من الصحفيين والأكاديميين بانتقاد خطاب المعارضة الذي يعد بترحيل اللاجئين، حتى لو كانوا هم أنفسهم يتمنون ترحيلهم إلى بلادهم؛ إذ ذكروا أن فئات كثيرة من الشعب مستفيدة من بقاء اللاجئين وترغب باستغلالهم، كتشغيلهم بأقل من أجورهم، أو تأجيرهم المنازل بأسعار عالية، أو الاستفادة من عمليات التهريب غير الشرعي في الولايات الحدودية شرق تركيا وغربها، والقائمة تطول. وهذا الأمر يجعل هذه الفئات المستغلة لوجود اللاجئين من الشعب التركي تنفر من خطاب المعارضة الذي يتوعد بترحيلهم[8].
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ بدأ كبار المعادين للاجئين، مثل رئيس حزب الظفر أوميت أوزداغ[9] والصحفي فاتح ألتايلي[10]، بالتحذير من انتشار فيديوهات مفبركة ضد اللاجئين، قائلين إن انتشارها جزء من عمليات استخباراتية تهدف لتأجيج الشعب التركي ضد الأجانب وإشعال الفوضى في تركيا. وهو ما يعد تطورًا كبيرًا جدًا بالنظر إلى تاريخ هذين الشخصين بنشر الفيديوهات المفبركة أو التحريضية ضد السوريين والأجانب في تركيا.
وبالنظر إلى المعطيات السابقة، نجد أن صوت الخطاب العنصري المعادي للاجئين والأجانب خفت نسبيًا مقارنة بما قبل الانتخابات، مع استمرار بعض الحسابات الكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي بالتحريض ونشر الكراهية، وقد يعود هذا الأمر إلى عدة أسباب، منها: الشعور بالهزيمة واليأس، وهذا العامل قد يكون مؤقتًا وستعود الموجة العنصرية من جديد بعد مرور فترة بسيطة، وهذا يبدو هو الغالب في الساحة التركية الآن؛ أو تغيير الأفكار والتوجهات بعد إدراك عدم جدوى الخطاب المعادي للاجئين، وهذا الرأي لا يتردد إلا بين بعض النخب المعارضة ذات التوجهات الليبرالية أو اليسارية، والتي كانت تقف ضد الخطاب العنصري منذ البداية.
ما الذي يمكن أن يحدث بعد الآن؟
الحكومة الجديدة التي أعلنها أردوغان مؤخرًا تضم من جهة أسماء عُرفت بمواقفها الجيدة من السوريين، مثل وزير الداخلية الجديد علي يرلي كايا الذي شغل منصب والي غازي عنتاب ووالي إسطنبول سابقًا، وهذا ما يمكن أن يجعل اللاجئين يتنفسون الصعداء بعد فترة صعبة.
بينما من جانب آخر توجد أسماء قد توحي بتسريع عملية التطبيع مع بشار الأسد، مثل وجود هاكان فيدان في منصب وزارة الخارجية، وهو الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات خلال 13 عامًا، وكان من أكثر المسؤولين الأتراك اتصالًا مع نظرائه من نظام الأسد؛ وهذا الأمر يخلق مخاوف جديدة من احتمال تسارع عملية التطبيع وزيادة الضغط على اللاجئين لإجبارهم على العودة إلى بلادهم في المدة المقبلة.
أما بالنسبة للخطاب العنصري، فلا يُعتقد أنه سيختفي تمامًا، بل على العكس سيزداد مع اقتراب الانتخابات البلدية. وقد تكون الموجة القادمة أسوأ من سابقاتها، إذ بدأت تنتشر بين بعض الحسابات المعادية للاجئين دعوات انتقامية بعد خسارة الانتخابات.
وستكون عملية التغيير التي ستصيب الأحزاب المعارضة بعد فشلها في الانتخابات عاملًا مهمًا في هذا الخصوص، إذ إنه في حال تغيرت قيادات الأحزاب المعارضة الكبرى ووصل إلى سدتها أشخاص ذوو توجه قومي متطرف فمن المحتمل أن تستعر الحملة العنصرية ضد اللاجئين، وهذا هو الراجح. فعلى سبيل المثال: غيّر كمال كلتشدار أوغلو أعضاء المجلس التنفيذي المركزي في حزبه، وعيّن أعضاء لهم توجهات أقرب للكمالية واليمين المتطرف من جهة، وأعضاء لهم توجهات موالية لإيران من جهة أخرى، ومن بينهم إيرين إردم المعروف بتأييده الشديد لنظام الأسد وإيران.
أما في حال صعد أشخاص ذوو توجهات معتدلة، مثل أكرم إمام أوغلو، أو ذوو توجهات يسارية، مثل جنان قفطانجي أوغلو، لقيادة حزب الشعب الجمهوري، فقد يتغير خطاب الأحزاب المعارضة بشكل كبير تجاه اللاجئين، ويصبح أكثر عقلانية ومراعاة للقانون وحقوق الإنسان. وهذا ما يبدو مستبعداً، إذ يحاول كمال كلتشدار أوغلو التمسك بمنصبه حتى آخر رمق، ويسعى جاهدًا لقطع الطريق أمام أي منافس جديد له، على الأقل لحين انتهاء الانتخابات البلدية التي ستقام في مارس/آذار من العام المقبل.