رحلة فاغنر مع الجيش الروسي.. سوريا بذرة الخلافات بين الطرفين
بعد سنوات من العمل مع الجيش الروسي في شبه جزيرة القرم وسوريا وليبيا ودول إفريقية وأوكرانيا، وصل الخلاف بين فاغنر وقادة الجيش الروسي قبل أسابيع إلى حدّ إعلان فاغنر أنها ستتجه لموسكو حتى النهاية، قبل أن تتراجع عن ذلك “حقناً للدماء” حسب ما صرح حينها زعيم المليشيا يفغيني بريغوزين بوساطة رئيس بيلاروسيا مقابل سحب فاغنر لقواتها وسحب الدعوى الجنائية ضد بريغوزين ومنح ضمانات أمنية لعناصره، فمن هي فاغنر؟ وأين تركز نشاطها؟ وكيف وصلت الخلافات مع الجيش الروسي إلى هذا المستوى؟
نشأة فاغنر:
يُعتقد أن ضابطاً في الجيش الروسي يُدعى دميتري أوتكين هو من أسّس شركة فاغنر وأعطاها أسم فاغنر تيمناً باسمه الحركي عندما كان ضابطاً، ولكن من المؤكد أن عناصر فاغنر وهم مؤسسة عسكرية غير رسمية ظهرت للعمل وللعلن لأول مرة أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كما ساعدت الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك في الانفصال عن أوكرانيا، وكان لا يتجاوز تعدادها حسب المصادر ألف شخص.
ويقود هذه المجموعات أحد الأليغارش الروس وهو يفغيني بريغوزين والمعروف باسم “طبّاخ بوتين”، وأُطلق هذا اللقب عليه لأن بداياته كانت كصاحب مطعم ومتعهّد طعام للكرملين، وتُعدّ العلاقة بين بوتين وبريغوزين قوية ومتينة إضافة لمولدهم المشترك في سان بطرسبرغ، حسبما تتحدث مصادر روسية.
ولا بد من الإشارة الى أنّ عمل الشركات العسكرية والأمنية الروسية لا تحظى بمشروعية قانونية، حيث يحظر القانون تأسيس هذا النوع من الشركات، مما يتيح لروسيا التنصل من الجرائم التي ترتكبها هذه الشركات الأمنية أثناء ممارسة نشاطها.
عمل فاغنر ونشاطاتها:
نشط عمل مجموعة فاغنر في العمليات خارج حدود الاتحاد الروسي ولا سيما في البلدان التي تُعاني من الأزمات والحروب الداخلية، فقد عملت فاغنر في سوريا لمساعدة نظام الأسد في السيطرة على مناطق عديدة بسوريا خصوصاً حقول النفط والغاز، وذلك مقابل نسبة تحصل عليها فاغنر إن نجحت في السيطرة على هذه الثروات.
كما عملت فاغنر في ليبيا، حيث ساهمت إلى حدٍّ كبير في الهجوم الذي شنّه خليفة حفتر على طرابلس عام 2018، وقامت بزرع ألغام واسعة في المناطق التي وصلت إليها بالقرب من أطراف العاصمة الليبية طرابلس، إضافة لتأمين الطرق المتجهة لمناطق سيطرة حفتر.
كما يوجد المئات من عناصر فاغنر في إفريقيا الوسطى تحت ذريعة تقديم التدريب العسكري للقوات النظامية، ويحمي عناصر فاغنر مناجم الذهب والماس، ويحصلون على نسبة من العائدات.
وفي السودان، بدأ نشاط فاغنر عام 2017 بحجة تدريب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في درافور، كما عملت في التنقيب عن الذهب في مناطق شمال الخرطوم.
الخلافات بين فاغنر والجيش الروسي:
تعود بذور الخلاف بين فاغنر والجيش الروسي إلى عام 2018 عندما اقتحم المئات من جنود فاغنر مصنع غاز كونيكو في محافظة دير الزور للسيطرة عليه، ليقوم الجيش الأمريكي بإبلاغ نظيره الروسي الذي ردّ بنفي أي علم له بالقوة المتقدمة[1]، ليقوم الجيش الأمريكي بشن غارات جوية أسفرت عن مقتل أكثر 200 من مقاتلي فاغنر، وكشف الحادث أن مصالح بريغوزين التجارية قد تسبّب أزمة مع واشنطن، وأثار ذلك غضب الجيش الروسي والكرملين، مما دفع بريغوزين للتعهّد بألا يحدث ذلك مرة أخرى[2].
الخلاف ظهر بشكل أكبر وأوضح في معارك أوكرانيا ولا سيما في مدينة باخموت الأوكرانية، حيث اتهم بريغوزين وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيّين بعدم مدّ قواته بالذخيرة، منهالاً عليهم بحملة تشهير واسعة، حيث شعرت فاغنر أن الجيش الروسي يريد إنهاكها وعدم سيطرتها على باخموت، الأمر الذي دفع بريغوزين إلى سحب قواته منها، إضافة لاعتقاد فاغنر بعدم أهمية معركة باخموت من الناحية العسكرية وما هي إلا هوس شخصي لقيادات الجيش الروسي.
وفي مطلع شهر حزيران الماضي أمر وزير الدفاع الروسي جميع وحدات المتطوعين بمن فيهم فاغنر بتوقيع عقود مع وزارته في خطوة قالت الدفاع الروسية إنها ستُحسّن فاعلية الجيش الروسي، وحسب العديد من الخبراء ما هي إلا محاولة لإنهاء فاغنر وإخضاعها لسيطرة الجيش الروسي، وهذا ما رفضه بريغوزين رفضاً قاطعاً، مما زاد من غضب الجنرالات الروس عليه.
ويشكل ما أعلنه بريغوزين عن قيام الجيش الروسي بقصف معسكرات تعود لفاغنر السبب الرئيسي لتحركه و”تصحيح مسار العدالة في الجيش” حسب زعمه، لكن مع توصّل بريغوزين لتفاهم ما مع القيادة الروسية بوساطة رئيس بيلاروسيا يمكن القول إن فاغنر إن لم تنتهِ فسيتمّ العمل على إنهائها من خلال ربما عبر ضمّها للجيش النظامي أو توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية تتبع لها مباشرة.
ومن خلال ما تقدم يمكن القول إن الأمور عادت واستقرت لصالح الرئيس الروسي، ولكن ما حدث يظهر هشاشة الوضع الأمني في روسيا وظهور تيارات داخل البنية الأمنية بدأت تشعر بالتململ من الحالة التي وصلت إليها روسيا بعد الحرب في أوكرانيا، ما يعني أن هذه الحادثة يمكن أن تتكرر مرة أخرى من جهة ما داخل البنية العسكرية الروسية.
حائز على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، طالب ماجستير في القانون العام،
عضو في الهيئة العامة لفرع محامي دمشق وريفها التابع لنقابة المحامين الاحرار