مضامين بيان التطبيع السعودي مع النظام: مع رواية الأسد
في تتويج رسمي لمسار التقارب العربي عموماً والسعودي على وجه الخصوص مع نظام الأسد ومليشياته والمشروع الإيراني في سوريا والمنطقة؛ جاء استقبال وزير خارجية الأسد في جدة الأربعاء الماضي، والذي توج كما جرت العادة في الأعراف الدبلوماسية ببيان صحفي مشترك ختامي.
جاء هذا البيان على درجة كبيرة من الأهمية، ليس لطبيعة الحدث فقط؛ وإنما لما يحتويه -على عكس العادة-من أقل عدد ممكن من العبارات المنمقة والعامة وكثافة ما يضمه من مواضيع تجعله أشبه بـ “مبادئ عمل مشتركة”، ولعلّ قراءة مضامين هذا البيان تسهم في استشراف مسار التطبيع السعودي ومن ورائه العربي وتكشف عن طبيعة التوازن في العلاقات الجديدة وفي كيفية طي “صفحة الخلاف السابق”.
لعله قبل الحديث عما جاء في البيان، تعطي النقاط الغائبة دلالات مهمة عن “التوجهات العربية-السعودية” عن مدى المسايرة لتوجهات نظام الأسد ومقاربته “للمصالحة الوطنية”. فقد غاب عن البيان ذكر قرار مجلس الأمن 2254″ والتدخلات الإيرانية ومليشياتها وتدخلاتها، والحديث عن إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين قسراً، وحماية المدنيين والمناطق السكنية مثل وقف عمليات القصف المستمرة، إلى جانب إعلان وقف إطلاق النار.
على الرغم من أن البيان تحدث عن أهداف الزيارة المتمثلة في التوصل إلى حل سياسي من دون الإشارة إلى مرجعية القرارات الدولية كما أسلفنا، والحفاظ على وحدة سوريا وأراضيها، إلى جانب الحفاظ على هوية سوريا العربية إلا أن هذه المقدمات أو الأهداف المعلن عنها تقف على طرف نقيض مع ما سيأتي في نص البيان نفسه.
تضمن البيان ستة نقاط اتفاق رئيسة لعلها تعبر عن فحوى ومضمون أسس الاتفاقات التي تجري خلف الكواليس جاءت في ثلاث منها على الأقل وفق رؤية نظام الأسد وحلفائه، في مقابل ثلاث أخرى تمثل جوهر المطالب الواجب تحقيقها من النظام وقد جاءت جميعها مبهمة وتحمل في طياتها مجالاً للتفسير وفق رؤية النظام أيضاً.
بالنسبة للنقاط التي تمثل رؤية نظام الأسد، فقد جاءت بشكل رئيس في كل من: “مكافحة الإرهاب” التي تشمل كل الفصائل المعارضة بغض النظر عن أيديولوجيتها وتبعيتها، و”دعم مؤسسات الدولة لبسط سيطرتها على أراضيها”، وعودة النازحين واللاجئين. وجميع هذه النقاط تمثل رؤية ورواية نظام الأسد وحلفائه، بل يضاف لذلك فكرة جديدة هي: “دعم مؤسسات الدولة السورية” التي إذا استثينا منها تلك الخدمية، والتي لها دور هامشي أساساً، يكون المقصود تلك الأمنية والعسكرية التي ما تزال بصبغة طائفية صرفة محتفظة بسجل دموي وإجرامي بحق الشعب السوري، والتي أضحت في غالبها مجرد غطاء لميليشات إيران وعصابات تهريب المخدرات.
بالانتقال إلى النقاط الثلاث الأخرى التي تمثل مطالب عربية مفترضة وهي ملف إيصال المساعدات وإجراءات الاستقرار وملف المخدرات؛ فقد جاءت أيضاً بشكل عام وقابل للتفسير من جهة وبما لا يضغط على نظام الأسد من جهة أخرى.
فعلى صعيد الملف الإنساني “إيصال المساعدات” تم الحديث عن ضرورة وصول المساعدات إلى مختلف المناطق دون إضافات أخرى، وهذه النقطة من حيث المبدأ لا يمانعها نظام الأسد بل يؤكد عليها على أن تكون عن طريقه بما يسمح له بالاستمرار باستخدام سلاح المساعدات، ولأن البيان لم يذكر كيف سيتحقق ذلك فقد ترك الباب مفتوحاً أمام تفسير النظام لها بأن يكون وصولها عبر قنواته الحصرية، مما يعطيه مجالاً لنهبها من جهة، واستخدامها أداة لمعاقبة المناطق التي ثارت عليه، كما حصل في الغوطة الشرقية ودرعا من جهة ثانية.
كذلك يمكن تفسير عبارة استقرار الأوضاع بطرق شتى فإن كانت توحي بأحد تفسيراتها بأنها تعني إجراءات بناء الثقة وفي مقدمتها وقف إطلاق النار، إلا أن منطق البيان العام يجعلها نقطة قابلة للتفسير بأن الاستقرار يكمن في فكرة “تطهير المناطق من الإرهاب”.
أما النقطة الأهم فهي الكيفية التي تم فيها الإشارة لملف الاتجار بالمخدرات. اذ مثل هذا الملف خلال السنوات الأخيرة أحد أهم أدوات نظام الأسد والمشروع الإيراني في زعزعة أمن المنطقة والعالم، وهو ما تدركه بالطبع السعودية كدولة أحبطت عشرات الشحنات القادمة لقتل مجتمعها وشبابهاـ وعليه فهو يمثل الهجوم المباشر الرئيس لنظام الأسد على السعودية إذا ما اعتبرنا كل النقاط السابقة قاصرة على الأراضي السورية من حيث المبدأ. وبناء عليه فقد كانت عبارة “تعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها” عبارة تساق في حالة غير السياق السوري مع إغفال فكرة إنتاج المخدرات زراعة وصناعة برعاية نظام الأسد وفي المناطق التي سيعاد إليها اللاجئين.
يضاف لكل ما سبق نقطة ختامية كأخطر المؤشرات التي تضمنها البيان وهي “تحقيق المصالحة الوطنية” بديلاً عن الإشارة للحل السياسي وفق القرارات الدولية. إذ يكشف ذلك بشكل واضح عن منطق التوجهات العربية الحالية عموماً والسعودية حالياً حيث تم تبني رؤية نظام الأسد لفكرة الحل النهائي عبر أنموذج المصالحات كالتي طبقت في كل المناطق التي تم اجتياحها في الغوطة ودرعا والقلمون ..الخ كما تشير فكرة المصالحة أيضاً إلى ما نادى به نظام الأسد من فكرة الحوار السوري – السوري تحت ما يسمى “مظلة الوطن” ومنطق عفو السلطة عن السوريين المغرر بهم ..الخ
يكشف كل ما جاء في البيان أن هنالك حالة من الرضوخ والمسايرة للمشروع الإيراني من قبل القوة الأهم في المنطقة، وأن التمسك الشفهي على أقل تقدير بالحل السياسي وفق القرارات الدولية وتحقيق العدالة للشعب السوري قد أصبح في طي النسيان تماماً في المقاربة الإقليمية على الأقل، دون أن يعني ذلك من جانب آخر استحالة نسف كل هذا المسار مع وجود متغيرات دولية وإقليمية قد تحصل في لحظة ما.
باحث مساعد في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية