أقلام المنتدى

فيديو مجزرة التضامن .. هل التوثيق هو ما يلزم السوريين من أجل تحقيق العدالة ؟

لم يكن فيديو مجزرة التضامن الذي تم الكشف عنه مؤخراً صادماً أو مفاجئاً للسوريين، فعلى الرغم من فظاعته ومن حجم الحقد والإجرام الذي فيه، إلا أن هذا النوع من المجازر والقتل البارد كان منتشراً على طول الجغرافيا السورية وعرضها طوال الأعوام الماضية وفي عامي 2012 – 2013، بعد أن أخذ نظام الأسد قراراً بمعاقبة السوريين جماعياً بعد تجرؤهم على الثورة ضده والمطالبة بإسقاطه ، وقد فجر هول المجزرة شريطاً طويلاً من الذكريات المؤلمة لدى السوريين، وأعاد إلى الأذهان سلسلة طويلة من المجازر وجرائم القتل الجماعي التي قام بها عناصر النظام وشبيحته طوال عقد الثورة المنصرم.

وقد استطاع الباحثان اللذان وصل إليهما الفيديو بعد جهد طويل التعرف على مرتكبي الجريمة والتواصل مع أحدهما، والكشف عن رتبته والجهاز الأمني المنتسب إليه، وقد أقر الأخير أنه فخور بما قام به وأنه كان يؤدي دوره ووظيفته فحسب، ويتحدث بعض الناشطين العاملين في مجال القانون الدولي أن هذا النوع من التوثيق له فائدة قضائية مهمة في ملاحقة المجرمين دولياً، والمساهمة في إدانة نظام الأسد بجرائم الحرب وقطع الطريق على جهود إعادة تأهيله وشرعنته محلياً ودولياً، ولكن هل التوثيق هو بالفعل ما يلزم السوريين من أجل تقديم مرتكبي جرائم الحرب في سوريا إلى المحاكم ونيل العدالة المنشودة؟

لا شك ابتداءً أن أي جهد يصب في خانة ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق السوريين والكشف عن أسمائهم ورتبهم وأدوارهم التفصيلية في المحرقة السورية هو جهد مطلوب على جميع الأصعدة، ولكن الخطأ الكبير الذي من الممكن أن يقود إليه هذا النوع من الملاحقات هو انصراف الجهود عن ملاحقة رأس النظام وأعوانه من الصف الأول الذين أمروا ودبروا وفتحوا الباب أمام سلاسل المجازر والإبادات الجماعية والتطهير الطائفي الذي قامت به قطعان الشبيحة وميلشيات النظام الطائفية طول سنين الثورة السورية، وهو أمر قد يتم تحت غطاء التسوية السياسية وحلول تغيير سلوك النظام بدلاً من تغييره، كما قد يتم تحت شعار الحفاظ على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها عن طريق استبعاد بعض الأشخاص من ذوي الأدوار الثانوية دون المساس ببنية المؤسسات نفسها المسؤولة عن كل الجرائم والمجازر بحق السوريين.

وبمعنى آخر، فإنه من الخطأ التعامل مع “أمجد يوسف” الذي ظهر في هذا الفيديو وهو يتلذذ بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق رجال ونساء أبرياء تم توقيفهم على حواجز النظام بشكل عشوائي على أنه فعل فردي تتم محاسبته عليه بشكل شخصي، فأمجد هنا يجسد ويكثف بصورة وحشية فكر وعقلية مؤسسة النظام العسكرية والأمنية وطريقتها في معاقبة السوريين بعد الثورة، وما هذا الفيديو إلا واحدٌ من عشرات وربما مئات لمجازر وعمليات قتل أخرى ظهرت إلى العلن طوال السنين الماضية، ولكن لم يحالفها الحظ في اكتساب صيغة وطرق التوثيق التي تناسب القوانين الدولية لجعلها تتحرك لمحاسبة مرتكبي الجرائم، فضلاً عن مئات الجرائم الأخرى التي تم ارتكابها في تلك الفترة ولم توثقها عدسات الكاميرات أو وثقتها ولكن لم تخرج إلى العلن، إلا أن السوريين يعلمون يقيناً بوقوعها ويشهد على ذلك أيضاً 100 ألف حالة لمختفين قسرياً ومفقودين وثقتهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ولعل صور “قيصر” التي تم تسريبها عام 2014 بكل بشاعتها وقساوتها وبكل ما تحمله من أدلة قطعية لا مجال للشك فيها تشير أيضاً إلى ذات النتيجة السابقة، فعلى الرغم من توجيه الإدانات الدولية وإصدار قانون العقوبات الأمريكية “قيصر” بعد عناء طويل، نشهد اليوم وبشكل تدريجي تغاضي المجتمع الدولي عن هذه الجرائم ورغبة في طي صفحتها تحت غطاء أممي وبدعوى التسويات السياسية، مما يعني إفلات المجرمين من العقاب وضياع حق السوريين في نيل العدالة والقصاص، يضاف إلى ذلك بطبيعة الحال مجازر الكيماوي المتعددة في الغوطة وخان شيخون وغيرها والتي تم إدانة نظام الأسد دولياً ببعض منها، إلا أن غياب الإرادة الدولية للمحاسبة والعقاب هو الأمر الثابت في هذا المشهد المؤلم.

وختاماً، فإن قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وتدمير مدن بأكملها بشتى أنواع الأسلحة هي جرائم لا تحتاج إلى أدلة موضوعية لمعرفة من يقف خلفها، كما أنها جرائم لا تحتمل التجزئة ولا الملاحقات الفردية مهما بلغت أهميتها إذا ما تم التغاضي عن أصل هذه الجرائم والمتسبب الفعلي لها وهو نظام الأسد بكافة أركانه ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية.

ولذلك فإن الجهد الأكبر في عملية تحقيق العدالة  يقع على عاتق السوريين جميعاً مؤسسات وأفراداً، حيث يجب عليهم التصدي لمهمة فضح النظام وإثبات أنه المسؤول الأول عن كل الأهوال التي جرت وتجري حتى الآن في سوريا وربط جميع الجرائم برأس النظام ومؤسساته، كما يجب عليهم رفض عملية التطبيع معه وإعادة شرعنته محلياً ودولياً تحت مختلف الذرائع والحلول، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية ضياع العدالة والحقوق لجميع السوريين فيما إذا تغاضت عن جرائمه وقررت التطبيع معه.

مقالات الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى