قضية خلية الموساد في تركيا.. هل أسهم الإعلام التركي في ترسيخ صورة سلبية عن العرب واللاجئين؟
استيقظت تركيا يوم 2 يناير/كانون الثاني الحالي على بيان من وزير الداخلية أعلن فيه القبض على 34 مشتبهًا بهم في العمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد“[1]. وبالتزامن مع هذا الإعلان نشرت الصحافة المقربة من الحزب الحاكم صورًا تُظهر المقبوض عليهم، والذين كان من بينهم رجل ملتحٍ كبير بالسن، وعدد من السيدات المحجّبات[2].
ولم تقف هذه الصحف عند هذا الحد، بل نشرت أخبارًا تشير إلى أن معظم المتهمين من جنسيات عربية، ومنهم فلسطينيون وسوريون، وأن أحدهم جاء ضمن الفرق الإغاثية بعد الزلزال لولايات جنوب تركيا، وصار يقدم دروسًا دينية في الجوامع باللغة العربية[3]، وأن متهمًا آخر كان ضمن المقربين من خالد مشعل القيادي في حماس[4]، فيما ذكرت صحيفة أخرى أن الجواسيس مقربون من محمد دحلان القيادي في حركة فتح[5].
صورة نمطية جديدة:
تسبّب ظهور هذه الأخبار في ردود فعل قوية داخل الشارع التركي، استغلتها الأحزاب والجهات القومية المعادية للاجئين أو العلمانية المعادية للإسلاميين في تشويه صورة اللاجئين السوريين والعرب بشكل عام واتهامهم بالخيانة والعمالة والتآمر ضد البلاد وضد بعضهم البعض[6]، فيما بدأ البعض بالغمز واللمز تجاه الإسلاميين الأتراك بعد ظهور صورة الرجل الملتحي والمرأة المحجبة واتهامهم بالاتهامات نفسها[7].
تطورت هذه الاتهامات ووصلت إلى حد نشر شائعة تُفيد بأن أحد المقبوض عليهم طبيب سوري كان يشرف على الجرحى الفلسطينيين الذين نقلتهم الحكومة التركية من غزة، ومن خلال هذه الشائعة بدأت حملة ضد الأطباء السوريين الذين وظفتهم الحكومة التركية في مشروع مراكز صحة اللاجئين الذي تم بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، تضمنت اتهام الحكومة بأنها وظفتهم دون التحقق من شهاداتهم ولا من سجلاتهم الأمنية والمهنية[8].
حاول الطرف الآخر، من الإسلاميين ومؤيدي الحكومة، استغلال هذه الأخبار لمصلحته أيضًا، إذ بدأت بعض الحسابات بنشر مقاطع لشخصيات ذات مظهر ديني، محجبات أو ملتحين أو أشخاص يتحدثون بخطاب ديني، ينتقدون الحكومة ويدعمون المعارضة، ملمّحين إلى أن هؤلاء أيضًا قد يكونون عملاء للموساد يهدفون لتشويه الحكومة باستخدام مظاهر المتدينين[9].
ظهور الحقيقة المتأخرة:
بعد بضعة أيام من انتشار هذه الأخبار والصور أفرجت السلطات التركية عن 12 من المقبوض عليهم، ورحّلت 7 آخرين لخارج تركيا بعد التحقق من عدم ضلوعهم في التجسس لصالح الموساد. ونشرت الصحف التركية هذا الخبر باقتضاب شديد دون ذكر أي تفاصيل حول الأشخاص المفرج عنهم[10].
ونقلت منصات عربية مهتمة بالشأن التركي وفق مصادر خاصة بها أن من بين المفرج عنهم السيدة المحجبة، وأن الرجل الملتحي كان من الأشخاص الذين تمت تبرئتهم من تهمة العمل لصالح الموساد، ولكن تم ترحيلهم إلى سوريا بتهمة الحصول على أموال من شخص مرتبط بتنظيم داعش الإرهابي[11].
كما نشر وزير الصحة التركي نفيًا للشائعات التي طالت الأطباء السوريين، إذ أكّد أن الشخص الذي قُبِض عليه هو عامل نظافة مصري يعمل في مستوصف لخدمة الأجانب في إسطنبول، ولم يكن له أي تواصل مع الجرحى الغزّيين الذين يتم علاجهم في أنقرة، وتم إطلاق سراحه بعد تبرئته من هذا الاتهام، وأكد الوزير أن توظيف الأطباء السوريين يتم فقط في المستوصفات المنشأة ضمن مشروع مراكز صحة المهاجرين الذي يموله الاتحاد الأوروبي، وأن التوظيف يتم بعد دراسة مستفيضة لملفات المتقدمين من الناحية الأمنية والمهنية[12].
لكن رغم كل هذه البيانات والأخبار، ما زالت وسائل التواصل الاجتماعي التركية والعديد من الشخصيات البارزة من الساسة والإعلاميين والمشاهير يُكرّرون الشائعات والاتهامات التي طالت السوريين والعرب بعد انتشار هذه الصور، ولم يكن بيان وزير الصحة أيضًا كافيًا في إبعاد الشك عن الأطباء السوريين، إذ اقتصّت الحسابات الإخبارية المشبوهة ذات الانتشار الواسع بيانه كله ونشرته بهذه الصيغة: “وزير الصحة التركي: عميل الموساد المقبوض عليه لم يكن طبيبًا، بل كان عامل نظافة”، دون التطرق لتبرئة الشخص وإطلاق سراحه، ودون ذكر لآليات التوظيف التي وضحها الوزير في بيانه[13].
الخاتمة:
من الواضح أن التغطية الإعلامية للصحافة التركية ساهمت في تعزيز صورة نمطية سلبية عن العرب، على الأقل في المدى القريب، ومن الواضح أيضًا أن هذا الموضوع سيتم استهلاكه بكثرة في الإعلام والخطاب السياسي الداخلي لتركيا في الأشهر المقبلة، خصوصًا مع زيادة حدة المناخ السياسي قبل 3 أشهر من الانتخابات البلدية.
هذه الشائعات لم تأت من طرف واحد داخل تركيا، بل جاءت تقريبًا من جميع الأطراف، وهي تتماهى مع التوجه المستمر منذ أشهر في تشويه صورة الأجانب في تركيا، وبالأخص السوريين، لإيجاد ذرائع للتضييق عليهم من جميع النواحي من أجل إجبارهم في النهاية على مغادرة تركيا “طوعًا” أو بترحيلهم قسرًا.
بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين وقضايا السورية، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري