قراءة في اللاورقة الأردنية: هل الحل المطروح لسوريا أم للدول الأخرى؟
في نهاية شهر أيلول الماضي تقدمت المملكة الأردنية بـ “لا ورقة” إلى الولايات المتحدة للخروج من حالة المراوحة التي أصابت مسار الحل السياسي السوري على حد وصفها، وبما أن هذه الورقة تأتي تحت عنوان عريض هو الانفتاح على نظام الأسد انطلاقاً من فكرة تغيير سلوك النظام كبديل عن تغييره بآليات عملية، فهي تشكل ورقة خطيرة للغاية وجديرة بالاهتمام والتحليل، خاصة مع عدم تسليط الضوء عليها بشكل كاف، بغية اكتشاف إن كانت تحمل حلاً فعلياً للشعب السوري وقضيته.
تبدأ اللاورقة الأردنية بالتأسيس لمقدمات عديدة وهي: عدم وجود أفق حقيقي للحل في سوريا حتى الآن، وأنه لا توجد استراتيجية شاملة للتوصل لحل سياسي، وتضيف على ذلك اعتبارين آخرين هما أن جميع الدول متفقة على عدم وجود نهاية عسكرية وأن تغيير النظام ليس هدفاً، لتشكل هذه الأمور مجتمعة أركان المعادلة التالية: بما أن المسار السياسي الحالي فاشل فالمطلوب هو مسار جديد يحقق الهدف الجديد المتمثل بتغيير سلوك نظام الأسد فقط.
يلاحظ هنا بوضوح أن هذه المعادلة تتلاقى تماماً مع الطروحات الروسية التي كانت من اليوم الأول لانطلاق مسار الحل السياسي تراهن على التغيير البطيء والتحويل في مواصفات هذا الحل، كما فعلت في تعاطيها مع قضية هيئة الحكم الانتقالي التي تماهت معها تكتيكياً وجعلتها خارج الأولويات والبحث استراتيجياً وعملياً.
تقدم اللاورقة الأردنية بعد ذلك توصيفها للأوضاع الحالية في سوريا على صعيد معاناة الشعب السوري وخاصة اللاجئين، ومن ثم تستعرض ملف الإرهاب من خلال التحذير من مخاطر عودة داعش، لتنتقل بعدها لتوصيف مخاطر السيطرة الإيرانية المتزايدة، يظهر ذلك التركيز على الملفين الإنساني والأمني؛ إن هذه القراءة تأتي بعيون المصالح الأردنية، وتتقاطع على ما يبدو مع مصالح غالبية الدول حالياً سواء المؤيدة لنظام الأسد أو تلك “الداعمة” للشعب السوري، فمثلاً قضية مثل “عودة اللاجئين” تمثل تقاطعاً بين روسيا من جهة، والتي تركز على محاولة توظيف هذه الورقة كمدخل لاستجلاب الأموال لإعادة الإعمار والضغط من أجل التعامل مع نظام الأسد، ومن جهة ثانية، تتلاقى مع المزاج الغربي وبعض الدول العربية في التخلص من هذه القضية التي باتت ورقة تهدد مصير بعض الأحزاب الحاكمة تارة نتيجة استغلالها من “اليمين المتطرف” في بعض الدول، وتارة أخرى بحجة أنها أضحت عبئاً اقتصادياً لا يمكن تحمله في البعض الآخر.
بالتالي نعتقد ان هذا التوصيف قد تم اختياره بشكل يجمع الأطراف المختلفة “مصلحياً “حول قضايا ذات أولوية لهم بالدرجة الأولى وإن لم تكن تشكل بحد ذاتها أساساً لإيجاد حل حقيقي ومستدام ومجدي لسورياـ
تنتقل الخطة من التوصيف إلى ((ما يجب القيام به))، حيث تدعو إلى نهج جديد يقدم حوافز لنظام الأسد لتغيير سلوكه، ومن الغريب هنا هو اعتبار هذه الحوافز المقدمة له هي من ستمكن من إيجاد “بيئة مواتية” لعودة اللاجئين، أي أن العودة ممكنة بوجود نظام الأسد وإشرافه وهو بلا شك يمثل مصلحة أردنية بحته للإسراع بعودة اللاجئين السوريين في الأردن البالغ عددهم مليون ونصف، وتمثل في الوقت ذاته مصلحة لنظام الأسد وروسيا اللذين يراهنان على ملف عودة اللاجئين كبوابة للتعويم، وبما يسمح بإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام بعد “دحر الإرهاب” والقيام بتنفيذ “المصالحات”.
تتابع الخطة الأردنية طروحاتها في الجواب على السؤال الجوهري (كيف) فتطرح تبعاً لذلك التساؤل خمسة بنود عملية وهي: التقرب عبر الحوافز، ودعم العملية من خلال فتح قنوات تواصل مع نظام الأسد. وثالثاُ إشراك روسيا من خلال الاعتراف بالمصالح “المشروعة” الروسية ومعالجتها في “العرض” لضمان قبول النظام وتنفيذه، ورابعاً يأتي إشراك النظام، وأخيراً وضع آلية رسمية لمراقبة التنفيذ والامتثال، وأن الأمم المتحدة ستكون مسؤولة عن تقديم جميع المساعدات الإنسانية، وأنه يمكن أن يتم تجسيد هذه الخطة ككل في قرار للأمم المتحدة، وبالتالي تتحول من خطة غير رسمية إلى وثيقة دولية رسمية، وهذا يعني أنها ستشكل بديل عن الوثائق الرسمية السابقة وبداية جديدة، وهو ما يعني عملياً بداية فترة زمنية ممتدة ومتراخية في الزمن للحل السياسي في سوريا وهو أكثر ما تتمناه روسيا والنظام من حيث نسف كل شيء والبدء من جديد.
تختتم اللا ورقة الأردنية محتوياتها بجدول هو بمثابة نموذج تنفيذي للخطة ككل، وعلى الرغم من أنه نموذج إلا أنه يمثل جوهر الفكرة وأهم ما فيها، وقد جاء هذا المخطط مؤلفاً من أربعة محاور وهي (الملف الإنساني والتقدم في الحل السياسي ومكافحة الإرهاب وانسحاب القوى الأجنبية).
يمكننا الإشارة ختاماً بالقول بأنه على الرغم مما تعاني منه اللاورقة من مواطن ضعف ومن الخلط الذي يمكن أن يكون مقصوداً في الملفات والقضايا، بالإضافة إلى عشرات المصطلحات القابلة للتفسير بأشكال مختلفة، إلا أن هذه الخطة رغم ذلك تبدو من حيث توقيت الطرح وطريقة ترتيب الملفات، تتقاطع مع المصالح الأردنية على صعيد ملف اللاجئين والعلاقات الاقتصادية وإبعاد النفوذ الإيراني، ومع مصالح عربية وغربية عديدة، ولربما حتى مع المصالح الأمريكية في تسريع خطواتها للانسحاب التدريجي من المنطقة، وهي في الوقت ذاته، ستقدم مكاسب مضمونة بالنسبة لنظام الأسد وروسيا من حيث نسف مسار الحل السياسي المستند إلى بيان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، وفتح كوة في جدار العزلة وتخفيف الأزمات الاقتصادية كخطوات تترافق مع استمرار الحديث عن إصلاح دستوري ممتد زمنياً لدرجة يستوعب الإغراق في الشكليات، والتمسك بمضامين إشكالية.
باحث مساعد في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية