أثر نتيجة الانتخابات التركية على الخطاب الإعلامي تجاه اللاجئين
منذ أن انتهت الانتخابات التركية قبل ثلاثة أسابيع بدأت الساحة السياسية والإعلامية في البلاد بالتغير، إذ إن نتيجة الانتخابات خلطت أوراق جميع الأحزاب في الساحة السياسية التركية، وبالأخص الأحزاب المحسوبة على المعارضة، التي بدأت بتغيير طريقة خطابها الإعلامي بشكل ملحوظ في محاولة لإعادة ترتيب الأوراق والاستعداد للانتخابات البلدية المقبلة بعد قرابة 9 أشهر.
اعتمد رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كلتشدار أوغلو في حملته الانتخابية، وبالأخص بعد انقضاء الجولة الأولى، على استراتيجية مهاجمة السوريين والأجانب في تركيا، وصناعة “فزاعة” لإرعاب الناخبين من احتمال بقاء أولئك الأجانب وزيادة أعدادهم في حال خسارته الانتخابات. وكانت آثار هذه الحملة سلبية في جميع أنحاء تركيا، إذ انتشرت اللوحات والكتابات الجدارية المعادية للاجئين في كل مكان[1]، وزادت حدة الاستقطاب في المجتمع بشكل واضح؛ ما أثار رعب اللاجئين والأجانب في تركيا من احتمال وصول المعارضة للسلطة.
مراجعة للأخطاء أم تحيّن لفرصة جديدة؟
بعد خسارة كلتشدار أوغلو في الجولة الثانية توقف جميع أعضاء حزب الشعب الجمهوري البارزين عن الحديث عن موضوع اللاجئين، وساد في أروقة الحزب صمت واضح عن هذه القضايا في ظل انشغالهم بالنزاع حول بقاء كلتشدار أوغلو في رئاسة الحزب أو المطالبة بالتغيير. حتى إن رئيس بلدية بولو -المعروف بعدائه الشديد للاجئين- توقف بشكل شبه كامل عن نشر أي شيء متعلق بهم، وبدأ بالتركيز على المطالبة باستقالة كلتشدار أوغلو، والحديث بكثرة عن نشاطاته وإنجازاته على أرض الواقع في مدينة بولو.
ولم يكن هذا التغيير في الخطاب محصورًا في حزب الشعب الجمهوري، إذ غيّرت شخصيات معروفة بمواقفها المعادية للاجئين -مثل أوميت أوزداغ- طريقة التعامل مع الموضوع، فبعد أن استمر أوزداغ على مدى السنوات القليلة الماضية بإشغال الرأي العام باللاجئين، فقد خفف من زخم هجومه على اللاجئين بشكل كبير مقارنة بفترة ما قبل الانتخابات، وبدأ بالتركيز على ذكر لمحات من حياة أتاتورك لدعوة الشباب للانضمام إلى حزبه. بل وصل الأمر به إلى التحذير من نشر مقاطع غير صحيحة حول اللاجئين، وعدّها مؤامرةً لإشعال فتيل الصراع بين الأتراك واللاجئين[2]. إلا أنه في الوقت نفسه ما زال ينشر بين الفينة والأخرى تغريدات وتصريحات معادية للاجئين، كان من آخرها الإشارة إلى أن حل قضية اللاجئين يكون بالانسحاب من اتفاقية أوتاوا وزرع الحدود بالألغام لمنع تدفق اللاجئين[3]. ما يشير إلى أن تراجعه الملحوظ لن يكون مستمرًا وليس نتيجة لمراجعة الأخطاء، بل هو مجرد انسحاب بسيط بسبب الهزيمة في الانتخابات سيعقبه بدء حملة جديدة ضد اللاجئين.
كما كتب بعض الصحفيين والأكاديميين الكبار عن وجود فئات كثيرة من المجتمع التركي ترفض دعوات ترحيل اللاجئين والأجانب بسبب استفادتهم منهم، حتى لو كان ذلك في مجالات التهريب والعمل غير القانوني أو تأجير المنازل بأرقام فلكية لهؤلاء الأجانب، مشيرين إلى أن هذه الوعود كانت سببًا في خسارة المعارضة لأصوات الكثير من فئات الشعب التي تستغل وجود اللاجئين، وأضافوا بأنه من الأفضل في الحملات الانتخابية المقبلة تجنب الأحزاب المعارضة الخوض في هذه المسألة لحين يوم الانتخابات، وبعد فوزهم يتعاملون مع اللاجئين كما يشاؤون دون أن يجدوا اعتراضًا من هؤلاء “الاستغلاليين”[4].
من المرجح ألا يكون هذا التراجع في الخطاب المعادي للاجئين ناتجًا عن مراجعة الأخطاء والاستفادة منها، وإنما -على الأغلب- هو مجرد تراجع بسيط لاستيعاب صدمة خسارة الانتخابات، والاستعداد للحملة الانتخابية للانتخابات البلدية المرتقبة، ليبدؤوا موجة جديدة من الهجوم على اللاجئين والأجانب، قد تكون أدواتها وأساليبها مختلفة بعض الشيء.
الأساليب الجديدة المحتملة
من الممكن رصد بعض الأساليب الجديدة، أو التي تم التركيز عليها أكثر من غيرها بمتابعة الإعلاميين البارزين في نشر الشائعات والأخبار المعادية للاجئين. فعلى سبيل المثال، استمرت المخرجة هانده كاراجاسو، والتي اشتهرت بنشرها سلسلة أفلام “الاحتلال الصامت”، بالتركيز الشديد على قضايا انتشار الجماعات الدينية المعادية لعلمانية الدولة، وانتشار الأفكار الدينية “المتخلفة” التي جلبها اللاجئون معهم إلى تركيا، مثل “زواج القاصرات” والعنف ضد النساء وتعدد الزوجات[5].
كما نشط عدد من الصحفيين والناشطين الأتراك بترجمة ونقل أخبار من الصحف والحسابات العربية التي تدّعي عودة الحياة لطبيعتها في سوريا وانتهاء الحرب فيها، ويكون ذلك إما نقلًا من الصحف المؤيدة لنظام الأسد أو تكون هذه الأخبار مترجمة بطريقة مضللة[6].
وإضافة إلى ما سبق، استمرت العديد من الحسابات المشهورة بمعاداة اللاجئين بشن حملات إعلامية على المطاعم والمحلات المملوكة للسوريين والأجانب، تارة بنشر قوائم الطعام المكتوبة باللغة العربية فقط، وتارة بنشر فواتير مكتوبة باللغة العربية فقط، مدّعين أن هذه المحلات تتهرب من الضرائب، وتبيع منتجات لا تناسب الشعب التركي[7].
وفي الوقت نفسه، ما زالت بعض الشخصيات من السياسيين والصحفيين المعروفين بعدائهم للاجئين مستمرة بعملها بالوتيرة والزخم نفسهما دون تغيير، وذلك بنشر الافتراءات والمقاطع المضللة والمستفزة للشارع التركي، والتي يكون غالبها ملفقًا ومكذوبًا.
ويمكن ملاحظة أسلوب بدأت هذه الحسابات باستخدامه بكثرة في الفترة الأخيرة، وهي تلفيق مقابلات في الشارع لأشخاص يدّعون أنهم سوريون، ويتكلمون بشكل يستفز الشعب التركي. ومن النماذج على هذا الأسلوب كان انتشار مقابلة في الشارع مع شخص ادّعى أنه سوري يملك شركة ويحصل شهريًا على 25 ألف ليرة دون أن يدفع الضرائب[8]، والذي تبين فيما بعد أنه مواطن تركي من مدينة شانلي أورفة[9]. وانتشار مقطع لشخص يهدد الشعب التركي في حال عدم توقفه عن مهاجمة السوريين، وتبيّن فيما بعد أنه شخص معاق ذهنيًا وتم استخدامه لتصوير هذا المقطع المستفز[10].
كما بدأت تظهر في الأيام القليلة الماضية حسابات وهمية بأسماء عربية تكتب باللغتين التركية والعربية تغريدات مستفزة للأتراك، وجميعها حسابات مزيفة يظهر جليًّا أن الذين يقفون وراءها أتراك، وذلك بالنظر إلى النصوص العربية التي ينشروها، والتي تكون مترجمة بالحرف من برامج الترجمة الإلكترونية. ومن هذه الحسابات حساب خرج مؤخرًا اسمه “إدارة هاتاي المستقلة”، وبدأ بنشر تغريدات حول إنشاء إقليم فدرالي مستقل للعرب في هاتاي، وبدأت الحسابات المعادية للاجئين بقيادة حملة جديدة باستخدام تغريدات هذا الحساب[11]. وظهرت أيضًا حسابات أخرى من النوع نفسه تكتب تغريدات مسيئة للنساء التركيات، ويعقبها على الفور حملة معادية للاجئين في وسائل التوصل الاجتماعي[12].
تصاعد الخطاب المؤيد للاجئين
تزامَنَ تراجُع حدة الخطاب العنصري في تركيا مع تصاعد ملحوظ للخطاب المؤيد للاجئين والداعم لبقائهم.
ولم يكن هذا التغير بسبب مراجعة للأخطاء مثلًا، وإنما -على الاغلب- سببه هدوء الصخب الذي كان يحدثه المعادون للاجئين، وتشجُّع فئات من الشخصيات البارزة للدفاع عن اللاجئين بشكل علني مع هزيمة الأحزاب العنصرية في الانتخابات. ومن الأدلة التي تشير إلى ذلك هو أن الداعمين للاجئين لا يخرجون عن 3 فئات أساسية، هي: الإسلاميون، واليساريون (غير الكماليين)، والليبراليون. وهذه الفئات كانت من الأساس ضد الخطاب العنصري وتدعم حقوق اللاجئين والأجانب.
وكمثال بارز على صعود تأييد اللاجئين، تحدث الصحفي المؤيد للحكومة وصاحب التوجهات الليبرالية، جمع كوتشوك، في لقاء تلفزيوني مطوّل، بالتفصيل عن فوائد بقاء السوريين والأجانب للاقتصاد التركي، وكيف أن العديد من القطاعات ستتوقف عن العمل في حال تم ترحيلهم. وضرب أمثلة -أيضًا- على فوائد اللاجئين الاقتصادية حول العالم للدول التي لجؤوا لها[13].
ومن النقاط التي ذكرها كوتشوك كانت أن مشكلة اللجوء هي مشكلة عالمية وليست مختصة بتركيا، وإن العديد من الدول تستفيد من المهاجرين لتشغيل العديد من القطاعات المختلفة، والاستفادة من المتميزين منهم في مجالاتهم، وضرب مثالًا على ذلك بالمهاجر السوري ستيف جوبز الذي أسس شركة آبل في أمريكا وبرؤساء وزراء بريطانيا وإسكتلندا ذوي الأصول الهندية والباكستانية[14].
وأضاف كوتشوك بأن رجال الأعمال الأتراك يشتكون أصلًا من قلة العمالة، وإنه في حال تم ترحيل الأجانب فستفسد المحاصيل في أغصانها، ولن يجد أصحاب المواشي رعاة لحيواناتهم، وستتباطأ عجلة الصناعة في البلاد بسبب نقص العمالة[15].
وحول مشاريع العودة، قال جمع كوتشوك إن تركيا تنشئ مشاريع سكنية في المناطق التي تسيطر عليها من جهة بتمويل أجنبي لتشجيع الراغبين بالعودة على العودة، وإنه يجب على نظام الأسد كتابة دستور جديد وضمان الأمن لبقية المواطنين السوريين لبدء العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، وعبّر عن اعتراضه الشديد على مشاريع الترحيل القسري التي وعدت بها بعض الأحزاب[16].
كما كتب المغني المعروف بميوله الشيوعية، بارش يلدرم، عددًا من التغريدات التي تدافع عن وجود اللاجئين، وتهاجم الشخصيات المعادية لهم، وذلك بعد أن نشر حسابٌ مشهورٌ مقطعًا لأطفال يسبحون في البحر في إزمير وادّعى أنهم سوريون يعكّرون صفو المدينة[17].
أما بالنظر للإسلاميين، فالعديد منهم كان -وما زال- يعبّر عن تضامنه مع السوريين والأجانب، ويقف بوجه العنصرية، وزادت خسارة كلتشدار أوغلو من حماسهم في نشر آرائهم ومكافحة الخطاب العنصري. ومن أبرز الشخصيات الإسلامية المستمرة بتأييدها للاجئين هو ياسين أقطاي، الذي طالب الأشخاص الذين هاجموا السوريين بعد انتشار مقطع الشخص الذي قال إنه يحصل على 25 ألفًا شهريًا ولا يدفع الضرائب، بالاعتذار بعد أن تبين أن المقطع ملفّق وأن الشخص الذي في المقطع تركي[18].
خاتمة
قد تكون نتيجة الانتخابات أثّرت بشكل كبير على الحملات العنصرية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وجعلتها تفقد زخمها وحضورها في الساحة الإعلامية التركية، إلا أنه من المحتمل أن هذا التأثير مؤقّت، وقد تعود الأحزاب والشخصيات المعادية للاجئين للهجوم من جديد على اللاجئين، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية.
يُستبعَد أن تقوم هذه الأحزاب والشخصيات بعملية مراجعة للأخطاء ينتج عنها تجنّب استخدام ورقة اللاجئين في المستقبل. وإن حصلت مراجعات للأخطاء فستكون نتيجتها على الأرجح هي التغيير في أسلوب مهاجمة اللاجئين واستخدام ورقتهم في الحملات الانتخابية المقبلة بطرق مختلفة.
وقد يكون من المهم استثمار هذا التراجع في زخم الحملات العنصرية بالتركيز على المشاركة الإعلامية بالطرق الحكيمة والصحيحة لبيان خطأ وخطورة استهداف اللاجئين على تركيا وأمنها واستقرارها من جهة، وعلى الفوائد التي يتسبب بها وجود اللاجئين للدولة والمجتمع في تركيا من جهة أخرى.
كما أن الحذر الشديد في التعامل مع وسائل الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي مهم جدّا، لأن الخطأ فيه سيكون مكلفًا، وسيجعل الشخصيات المعادية للاجئين –والتي تقف للسوريين والأجانب بالمرصاد- تستثمر هذه الأخطاء لإطلاق حملات عنصرية جديدة تعيد الزخم إلى سابق عهده.
بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين وقضايا السورية، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري