اجتماع جدّة الوزاري يفشل في “شرعنة الأسد” ولكن..
رغم الاعتقاد الذي كان سائداً بأن بشار الأسد سيحضر لا محالة الاجتماع القادم للقمة العربية في الرياض في أيار مايو القادم، إلا أن جهود السعودية في هذا المجال باتت أصعب، بعد إشهار “فيتو” من عدة دول عربية، في وجه هذه الخطوة.
اللقاء التشاوري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم من الأردن والعراق ومصر، والذي عُقد في جدة السعودية، وضع عراقيل أمام جهود الدول المطبّعة مع الأسد، وأثبت أن حرباً بحجم ما جرى في سوريا، لا يمكن أن تمحوها زيارة هنا أو هناك، وبيان لهذه الدولة أو تلك، وسط قرار غربي بأن جميع جهود التطبيع مع الأسد لا تعدو أن تكون مجاملات فردية من بعض الدول، التي تحسب أن حل المشكلة في سوريا يكمن في تعهد الأسد بوقف تصنيع الكبتاغون ومنع تهريبه.
وفي خضم بنود بيان جدة الوزاري يمكن قراءة بعض النقاط:
أولاً: لم يتطرق البيان أبداً إلى مطالب الشعب السوري والحديث عن العدالة الانتقالية أو المحاسبة عن جرائم الحرب التي ارتُكبت خلال اثني عشر عاماً، وكأن الأزمة كانت في بدايتها أزمة دبلوماسية بين الدول المطبّعة ونظام الأسد!.
ثانياً: أغفل البيان الوزاري أي إشارة أو تصريح حول قرار مجلس الأمن الدولي الصادر عام 2015 والذي يحمل الرقم 2254، والذي صدر بإجماع المجلس وبات منذ ذلك الوقت مُلزِماً لأي حل يمكن أن يُصاغ أو يتم التفاوض عليه حول سوريا، ما يجعل البيان والسعي السعودي لإعادة تأهيل الأسد بلا جدوى قانونية.
ثالثاً: البيان تحدث عن ضرورة “العودة الآمنة للاجئين” و”مكافحة “الإرهاب”، وهنا يُلاحَظ إغفال كلمة “الطوعية” بعد كلمة “الآمنة”، وهي مهمة جداً في سياق الحل في سوريا، وسط رفض الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين أي عودة تحت كنف نظام الأسد، الذي وثّقت تقارير حقوقية دولية ارتكابه جرائم قتل وتعذيب وإخفاء قسري بحق لاجئين صدّقوا عشرات مراسيم “العفو” التي أصدرها بشار الأسد خلال الأعوام الأخيرة.
أما “مكافحة الإرهاب” فلم يتطرّق البيان لتحديد الإرهاب المقصود، ما يعطي نظام الأسد -البارع في إغراق مفاوضيه بالتفاصيل- ذريعة لتفسير الإرهاب بأنه وصف ينطبق على كل مواطن سوري لا يزال يرفض استمرار بشار في الحكم.
رابعاً: ربما يعد من أخطر بنود بيان جدة الوزاري هو حديثه عن “أهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سورية على أراضيها لإنهاء تواجد المليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”، والذي يعني بشكل أو بآخر دعوة صريحة لنظام الأسد لمواصلة شن حربه ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، وتبرير وشرعنة أي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يمكن أن تحصل جراء ذلك.
خامساً: لم يعطِ بيان جدة أي أهمية للمعارضة السورية بشقّيها السياسي والعسكري، وهذا يعد تحولاً خطيراً في مسار الملف السوري، رغم أن السعودية تعد من الرعاة الأساسيين لتلك المعارضة.
سادساً: تركيز البيان على الوضع الإنساني في سوريا يشير إلى أن إمكانية الحل المنشود من تلك الدول لا تزال بعيدة المنال في ظل الفيتو الأمريكي الغربي على جهود الدول العربية المطبّعة، ويثير ذلك أيضاً مخاوف من استغلال الدول المطبعة الأزمة الإنسانية في سوريا لفتح شريان الدعم الاقتصادي لنظام الأسد تحت عنوان “مساعدات إغاثية”، في ظل عقوبات قيصر التي تمنع التعاون الاقتصادي مع دمشق.
على الرغم من أن البنود السابقة يُعدّ بعضها -كما أسلفنا- تحوّلاً خطيراً في مسار الملف السوري، إلا أنها حسمت الجدل الذي كان قائماً حول حضور الأسد الاجتماع القادم للجامعة العربية، وأجّلت حتى حين المساعي السعودية في هذا الإطار.
ومن دلائل ذلك زيارة وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد إلى الجزائر، وتكراره ما صرّح به في العام الماضي، من أنه يمكن التضحية بحضور سوريا اجتماع القمة العربية في سبيل “توحيد الكلمة والصف العربي”.
الثابت في وسط المساعي التي تقودها السعودية أن تأهيل الأسد بمعناه الدولي ليس ورقة عابرة تطرحها الرياض أو غيرها بمجرد أنها رأت مصالحها تقتضي ذلك، وبناء على ذلك لا يتوقع أن تسفر الجهود السعودية في الوقت الراهن عن أي تطوّر دولي مهم حول الملف السوري، لن يعدوَ الأمر أن يكون إعادة السفارات والقنصليات بين الأسد وبعض الدول، التي يقول الواقع إنها خرجت من مسار التأثير في سوريا منذ سنوات، والآن تحاول تحريك المياه الراكدة بناء على مصالحها الفردية ومواقفها السياسية الجديدة فقط.
مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية