ما الواجب على السوريين فعله بعد انتشار فيديو مجزرة حي التضامن؟
مع انتشار خبر أو مقطع مصور عن مجزرة ما من مجازر نظام الإجرام الأسدي بحق السوريين، وما أكثرها، يتفاعل غالباً الرأي العام المحلي، المعارض تحديداً، يركز على إجرام نظام الأسد وطائفيته وضرورة محاسبته.
على الرغم من أهمية هذا التفاعل ودلالاته على حيوية الشعب السوري في المناطق المحررة وبلاد اللجوء، وعلى إيمانه بعدالة قضيته، واستمراره في الدفاع عنها ولو من خلال التعاطف والتأييد اللفظي، إلا أن الأهم هو البحث عن الأدوات التي تساعد في تحويل هذا الكم الهائل من الحنق والغضب على القتلة والمجرمين، إلى طاقة إيجابية تبتعد بنا عن دائرة “الشكوى والإدانة”.
البداية من على مستوى الأسرة حيث تمثل ذاكرتها أحد أهم مصادر الذاكرة الشفوية للفرد، وبالتالي تمثل مثل هذه الذكريات المؤلمة فرصة جيدة للآباء لتذكير الجيل الصاعد من الأبناء بأسباب الثورة، وبطبيعة نظام الأسد المجرم الذي ينقل لهم أننا “كنا عايشين” في ظله.
على مستوى المجتمع، إذا أخذنا بالاعتبار قول المؤرخ والكاتب الفرنسي أرنست رينان أن الآلام المشتركة توحد الأفراد والجماعات أكثر من الأفراح، فإن تخليد ذكرى شهداء مجزرة التضامن وغيرها من المجازر، سواء بالصلاة عليهم أو الوقفات الاحتجاجية، أو تسمية بعض الشوارع والأماكن العامة بأسمائهم، سيمثل محطات مهمة لشحذ همة السوريين لإكمال معركتهم الشاملة للتخلص من نظام الطغيان.
كذلك يجدر بالقوى السياسية وعلى رأسها الائتلاف الوطني أن تخصص هذا الشهر بأكمله لإجراء حملة سياسية على مستوى العلاقات والاتصالات مع مختلف الدول الفاعلة، والسعي لنقل ملف هذه المجزرة للجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن على الأقل للتعريف بهذه الجريمة، إن لم نستطع إصدار بيان صريح بإدانتها وتشكيل لجنة خاصة للتحقيق فيها.
على المستوى الإعلامي، من منا لا يذكر الفيديو الذي قيل إنه لأحد عناصر الفصائل الذي كان يمسك بقلب أحد جنود نظام الأسد بعد قتله في معركة، لقد وظف نظام الأسد هذا المشهد بغض النظر عن صحته، وقام بحملة واسعة في أوروبا والولايات المتحدة لنشرها ضمن الفضاء الافتراضي والواقعي لدرجة وصلت فيه هذه الصورة إلى شبكات المترو والساحات العامة.
تعطينا هذه المجزرة الفظيعة عشرات الصور الواقعية والحقيقية والموثقة التي يمكن نشرها في كل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية والإخبارية، إلى جانب القيام بحملات حشد ومناصرة منسقة وبكل اللغات لمخاطبة الرأي العام الدولي، وإعادة تذكيره بجرائم نظام الأسد. سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي، مع التركيز على الربط بين مرتكب المجزرة وبشار الأسد. بحيث نكرس صورة ذهنية لدى الرأي العام تربط بينهما.
على المستوى الحقوقي، لوحظ مع انتشار خبر المجزرة والفيديو المرافق لها ورود عشرات التعليقات لشهود عاصروا تلك الفترة خصوصاً من أبناء المنطقة كذكر أسماء الضحايا والمجرمين الذين ساهموا فيها، وبالتالي من الجيد الاستفادة من هذه الواقعة، بأن تخصص المنظمات الحقوقية آليات محلية بحيث يعلن عنها ويتم التوعية بها في الداخل وبلاد اللجوء، بحيث بعد أن يتم توثيق المجزرة دعوة أبناء المنطقة سواء كانوا في مناطق سيطرة نظام الأسد أو المناطق المحررة أو بلاد اللجوء عبر فريق قانوني احترافي، لتوثيق شهادتهم، وبحيث يكون هنالك بناء قانوني احترافي لملفات توثق مثل هذه المجازر.
كذلك يجدر بمنظمات المجتمع المدني المتخصصة برفعي الوعي والتمكين السياسي في المناطق المحررة وبلاد اللجوء، تنظيم بعض الفعاليات كالمعارض والندوات واللقاءات المفتوحة مع بعض ممن عاصروا تلك المجازر، لتذكير المجتمع السوري بإجرام نظام الأسد.
تمثل مجزرة التضامن حدثاً مأساوياً على المستوى الإنساني قد يوازي بأهميته ذكرى مجزرة الكيماوي في الغوطة، هذه الأهمية ليست نابعة من عدد الشهداء الأبرياء الذين قضوا فيها، وإنما بتوثيق المجرم وطبيعته ونمط إجرامه لحظة ارتكابه الجريمة، وإصراره عليها، لا بل وتفاخره بها، الأمور التي لم تتوفر غالباً في بقية المجازر، وبالتالي جدير بالسوريين، كل السوريين، ممن ينشدوا مستقبلاً خيراً لأبنائهم توظيف هذا الحدث، وأي حدث آخر للنيل من هذه العصابة الإجرامية سياسياً وإعلامياً وحقوقياً وتوعوياً، فالمعركة معها هي معركة مستمرة، والاستسلام فيها يعني دفع مزيد من الأجيال السورية من أبنائنا وأحفادنا نحو حفرة كتلك التي سبقنا إليها شهداء مجزرة التضامن.
مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً كمدرس في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.