لماذا نهتم بالحوار الشبابي؟
يتنازع الشباب التزامات واهتمامات عديدة مع بداية ولوجهم الحياة، ومع حماس الشباب المعهود، قد تتصارع تلك الاهتمامات والالتزامات، أو يصعب على الشباب التوفيق بينها أو إدارتها بحكمة، مما يؤدي إلى وقوعهم في اضطرابات عديدة.
تبدأ الالتزامات والاهتمامات بتلك الشخصية منها، المتعلقة بالدراسة أو العمل وبناء القدرات استعداداً لخوض غمار الحياة، أو الهوايات والرياضة وما شابه، تتبعها الاهتمامات والالتزامات العائلية، خاصة أن شبابنا السوري، وعموم شباب الشرق مرتبطون بعائلاتهم لما تتميز به ثقافاتنا الشرقية من حرص على مكانة العائلة واحترامها.
على أن الجدير ذكره هنا أن الالتزامات والاهتمامات الوطنية والمجتمعية لا تقل أهمية عما سبقها لدى الشباب، خاصة مع عوامل اضطراب شرقنا التعيس، وسوريتنا المنكوبة، البلد الذي تبوأه الشقاء، فكلما قدُم استقام له به تجديد، كما استشرف شاعرنا الزركلي رحمه الله مآلات بلدنا منذ مواجهته المحتل الفرنسي.
وقد تعاظمت التزامات واهتمامات شبابنا بالشأن العام والمجتمعي الوطني مع هبوب رياح موجات الربيع العربي، ووصولها سوريا، وانخراط شريحة كبيرة من الشباب فيها لاقتلاع نظام الاستبداد الطائفي، وواجهوا مصائر مختلفة، فمنهم من قضى واستشهد، ومنهم من اعتقل، ومنهم من تابع مسيرة حياته دراسة أو عملاً مع تفاوت في درجات الاهتمام بالشأن العام، فمنهم من طوى صحائف تلك الاهتمامات بعد النكسات التي تعرض لها الربيع العربي، ومنهم من وقع في براثن اليأس واللامبالاة، أو غدا أسير أفكار جماعات الغلو والتطرف التي تغذت على الظلم الذي أوقعته بعض الأنظمة على الشباب، واستغلت تلك الجماعات حماس الشباب لتوقعهم في براثنها.
في بيئة معقدة تؤثر فيها التطورات السياسية تأثيراً عميقاً في حياة الناس، كما حدث بعد الربيع العربي والثورة السورية، وما تبعها من ظروف حرب وتهجير ونزوح، لا يملك الشباب ترف عدم الاهتمام والالتزام بقضايا الشأن العام كما يملكها من يعيش في الولايات المتحدة أو اوربا، حيث تستنكف شرائح واسعة شبابية أو غير شبابية من مواطني تلك البلاد عن المشاركة في الانتخابات مثلاً، حيث لا فوارق كبيرة بين المرشحين بالنسبة لتلك الشرائح، أما في حالتنا، فسوف يتسرب الاهتمام بالشأن العام فارضاً نفسه على الشباب مع تسرب أشعة شروق كل صباح، حيث تداخلت القضايا الشخصية والعائلية مع قضايا السياسة والشأن العام بشكل كبير، فلا يستطيع الشباب التركيز على قضاياهم الخاصة وإدارة ظهورهم لقضايا وطنهم ومجتمعهم في هذه الظروف بشكل خاص.
ومن هنا تأتي رسالة منتدى الحوار الشبابي في تقديم محتوى راق وناضح لقضايا الشأن العام السوري، خاصة لشرائح شبابنا، وبهيمنة لأقلام شبابية قريبة من واقع الشباب، لذلك، لن يكون غريباً أن مقالات المنتدى وأنشطته تركز على القضايا السياسية والمجتمعية، أو مناقشة قضايا فكرية جدلية، أو متابعة الحالة الفكرية لجماعات الغلو والتطرف وخطابها، وهي التي جذبت الكثير من الشباب بخطابها واستغلت حماستهم أو يأسهم من انتكاسات الثورات.
لا يجب أن يؤثر اهتمام الشباب بالشأن العام سلباً على التزاماتهم واهتماماتهم بقضاياهم العائلية والشخصية، أو على سعيهم لتحسين ظروف حياتهم، على العكس، فاهتمامهم بالشأن العام يُرشّد تنميتهم الذاتية ويقوي شخصيتهم ويزيد ثقتهم بأنفسهم عبر دعم انسجامها مع ثقافتها وتعميق مشاعر انتمائها، والحاجة هنا كبيرة للتوازن والتنظيم في بذل الجهود والأوقات بين مختلف الاهتمامات والالتزامات الشخصية والعائلية والمجتمعية.
ولإدراكنا لأهمية انخراط الشباب في قضايا الشأن العام ورفع سوية ثقافتهم وقدراتهم، حرصنا على ارشاد الشباب إلى أدوات البحث والتنقيب عن الحقيقة وتمليكهم أدوات التعلم والبناء، من خلال دعم التجمعات الطلابية والشبابية بتدريبات أساسيات منهجيات البحث العلمي، وأساسيات التحليل السياسي، وباعتبار الحوار أداة معرفية ومجتمعية هامة، وهو وسيلة لتحقيق التوافق والانسجام، حرصنا على دعم الشباب بتدريبات مهارات الحوار وآدابه، والتي تتضمن أيضاً مهارات التواصل الهامة للشباب في حياتهم الاجتماعية والمهنية، خاصة وأن الحماس الشبابي في نقاش القضايا قد يعرضهم للدخول في الجدل السلبي العقيم المفضي إلى التنافر، وهو ما شهدته بنفسي عندما كنت طالباً جامعياً، حيث كانت النقاشات في القضايا السياسية والفكرية تفرض نفسها في جلسات الشباب، وغالباً ما تكون مادة لجدل عقيم وتبادل للاتهامات لتسهم في تغذية الأحقاد والضغائن.
وقد نفذنا في مركز الحوار السوري تلك التدريبات في العديد من المرات لعدد من التجمعات والهيئات الشبابية، لتكون أساساً وميراثاً ينطلق منه منتدى الحوار الشبابي، الذي نأمل أن يحظى باهتمام شبابنا السوري، ويزدهر بمشاركاتهم، فهم من يمثلون المستقبل المشرق المأمول بعد مخاض ليل عسير.
مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، كتب و شارك في كتابة العديد من الأوراق المتعلقة بالملف السوري. كما عمل مستشاراً وباحثاً في الشأن السوري لدى عدة مراكز سياسات سورية ناشئة، ولدى منظمات دولية. مدرب في مجال أساسيات ريادة الأعمال وأساسيات التحليل السياسي،