السوريون في تركيا تحت هجمات المحرّضين مجددًا
اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي التركية بوجه السوريين من جديد بعد انطلاق موجة تحريضية جديدة يقودها كبار الساسة والإعلاميين المشهورين بعدائهم للاجئين، وذلك بالتزامن مع اندلاع أعمال شغب في فرنسا شارك فيها مواطنون فرنسيون من أصول عربية وإفريقية احتجاجًا على مقتل شاب من أصول جزائرية على يد الشرطة.
وتعد هذه الموجة أعنف موجة كراهية ضد اللاجئين منذ انتهاء الانتخابات التركية يوم 28 مايو/أيار الماضي، إذ هدأت الشخصيات المعادية للاجئين نسبيًا بعد هزيمة المعارضة، إلا أن هذا الهدوء لم يكن نابعًا من تراجع عن هذه السياسات كما كان متوقعًا، وإنما كان مجرد تحيّن لفرصة جديدة للهجوم على اللاجئين والأجانب.
تشبيه فرنسا بتركيا
لم يتوان الساسة والإعلاميون المعادون للاجئين عن تطويع الأزمة الحاصلة في فرنسا حاليًا واستخدامها لبث الكراهية ضد اللاجئين في تركيا. إذ بدؤوا على الفور ببث الأخبار التي تتحدث عن أعمال السلب والنهب والاعتداءات التي يقال إن المهاجرين في فرنسا ارتكبوها، مشيرين إلى أن اللاجئين في تركيا سيتصرفون بالمثل في حال اندلاع أعمال شغب داخلية في المستقبل[1].
وأشار هؤلاء إلى أن فرنسا التي اتبعت سياسة الاندماج واختارت نوعية المهاجرين القادمين إليها فشلت في دمجهم وهي تدفع الآن ثمن هذه السياسة، مضيفين أن الوضع في تركيا سيكون أسوأ بكثير، وذلك لأن الحكومة التركية فتحت الباب على مصراعيه للاجئين دون حتى التحقق من هوياتهم وشخصياتهم ومؤهلاتهم للبقاء في تركيا[2].
ولاقت هذه التصريحات ردة فعل غاضبة من المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشيليك، الذي أشار إلى أن تشبيه فرنسا بتركيا هو تصرف نابع من نوايا سيئة ومن أشخاص عديمي الإحساس. وقال تشيليك إن فرنسا الآن تدفع ثمن سياساتها الاستعمارية والعنصرية التي اتبعتها في التعامل مع المهاجرين القادمين إليها، بينما تركيا فتحت بابها للفارين من الموت وهي تتحمل الآن مسؤولية ضمان الأمن والاستقرار في بلادهم لتسهيل عودتهم إليها[3].
كما لم تتوقف ردة الفعل عند المتحدث باسم العدالة والتنمية، إذ تحركت النيابة العامة في إسطنبول وفتحت تحقيقًا بشأن الحسابات التي بثّت منشورات تحريضية تثير الكراهية والعداوة ضد اللاجئين بالإشارة إلى الأحداث الحاصلة حاليًا في فرنسا[4].
إضافة إلى ما سبق، شارك عدد من الأكاديميين الأتراك في الدفاع عن اللاجئين بوجه الموجة العنصرية الجديدة، ووصفوا الأحزاب العنصرية بأنها استوردت أفكارها من الغرب، وبدأت بتطبيق هذه الأفكار العنصرية على شعبهم، ثم بدؤوا باستهداف السوريين؛ وأكد هؤلاء الأكاديميون أن العنصرية دخيلة على المجتمع التركي ولم تكن موجودة سابقًا[5].
استخدام عطلة العيد في نشر الكراهية
لم تنحصر موجة الخطاب العنصري في استخدام أحداث فرنسا وحسب، بل حملت وجهًا آخر هو استهداف السوريين والأجانب الذين توجهوا لقضاء عطلة العيد في المنتزهات والسواحل والأماكن الترفيهية.
بدأت هذه الموجة من حسابات وهميّة متخصصة بمهاجمة اللاجئين نشرت مقاطع لعدد من الشواطئ في مدن مختلفة في تركيا وقالت إن السوريين والأجانب ملؤوها تمامًا وأقلقوا راحة المواطنين الأتراك القادمين لهذه الأماكن بقصد السياحة، ثم بدأ كبار الساسة والإعلاميين المعادين للاجئين بإعادة نشر هذه المقاطع واستخدامها في التحريض على اللاجئين[6].
واستغل رئيس حزب الظفر المعادي للاجئين، أوميت أوزداغ، هذه الموجة ونظّم مسيرة صغيرة في مدينة بورصة للمطالبة بإيقاف “احتلال” اللاجئين للسواحل التركية بحسب ما وصفه، وهدّد بتحويل تركيا التي يراها اللاجئون جنةً إلى جهنم في عيونهم[7].
كما وصل الأمر إلى استهداف الأنشطة التي نظمتها جمعيات خيرية للأطفال اللاجئين، إذ نشر أحد الصحفيين مقطعًا لملعب صغير في مدينة الريحانية جنوب تركيا استأجرته جمعية خيرية فلسطينية ونظّمت فيه فعاليات للترفيه عن الأطفال اللاجئين المتضررين من الزلزال في الولاية خلال أيام العيد، ووصف الأمر بأنه “تهديد” لسيادة تركيا على ولاية هاتاي[8].
ومن بين الأمور التي استخدمها معادو اللاجئين في زيادة زخم حملتهم العنصرية كانت المقاطع التي ينشرها بعض السوريين والأفغان وهم يرفعون أعلامهم في السواحل والأماكن الترفيهية خلال عطلة العيد، الأمر الذي عدّه هؤلاء تعديًا على السيادة الوطنية وتحديًا للدولة التركية على أراضيها[9].
وكان من الملاحظ تركيز هذه الموجة على المتنزهين والسائحين العرب والقادمين من دول الشرق الأوسط واتهامهم بالتخلف وعدم التحضر، مع التجاهل شبه التام للقدوم الكثيف للسياح الروس والأوكرانيين والأوروبيين لمدينة أنطاليا وولايات غرب وجنوب غرب تركيا[10].
انتقال التحريض من التواصل الاجتماعي إلى أرض الواقع
لم تمر هذه الموجة التحريضية الكبيرة دون أن يكون لها انعكاسات على أرض الواقع. إذ انطلق عدد من المواطنين الاتراك في منطقة ديلوفاسي التابعة لولاية كوجايلي بمسيرة احتجاجية ضد السوريين في المنطقة[11]، وذلك بعد انتشار ادعاءات حول قيام سوريين باقتحام منزل تركي وضرب سكانه إثر شجار بين الأتراك والسوريين واتهام للسوريين بقتل كلب في المنطقة[12]. وتبين فيما بعد بحسب بيان من والي كوجايلي أنه لم يقتحم أي شخص سوري أي منزل كما ادعت الحسابات المحرضة، وقال إن الأمن قبض على 10 أجانب شاركوا في الشجار حول مسألة الكلب وسيتم ترحيلهم[13].
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة، إذ انتشرت مساء يوم الأحد 2/7 صورة لطفل سوري جلس بطريقة غير لائقة فوق تمثال مصطفى كمال أتاتورك في مدينة شانلي أورفة، ما أدى إلى اشتعال موجة غضب شديدة في وسائل التواصل الاجتماعي التركية تضمنت تهديدات كثيرة بارتكاب أعمال عنف ضد السوريين في حال لم تتوقف هذه التصرفات[14]. وأعلنت الشرطة عن القبض على الطفل السوري البالغ من العمر 13 عامًا وإرساله إلى شعبة الأحداث من أجل استكمال المعاملات القانونية بحقه[15].
خاتمة
استعاد الساسة والإعلاميون المعادون للاجئين زخمهم في نشر خطاب الكراهية بعد هدوء نسبي أعقب فترة الانتخابات، وذلك بالتزامن مع عطلة عيد الأضحى ومع اندلاع أحداث الشغب والفوضى في فرنسا بسبب قتل الشرطة الفرنسية لشاب من أصول جزائرية.
لم تكن عودة انتشار خطاب الكراهية بهذا الزخم أمرًا مستبعدًا، ولا يُتوقّع أن تهدأ خلال الفترة المقبلة، بل على العكس، من المحتمل زيادة حدة هذه الهجمات الإعلامية ضد اللاجئين والأجانب في تركيا تدريجيًا مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية التي ستقام آخر شهر مارس/آذار من العام المقبل.
الخطير في هذه الموجة الحالية هو شدتها وسرعة انتقالها من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أرض الواقع، والذي قد ينذر بتكرار أحداث العنف التي وقعت ضد السوريين في منطقة ألتنداغ في أنقرة عام 2021 عقب مقتل شاب تركي في شجار بين سوريين وأتراك؛ وأدّت فيما بعد إلى اتخاذ وزارة الداخلية التركية المزيد من القوانين الصارمة ضد السوريين والأجانب.
ويبدو من الواضح أن هذه الشخصيات ستستمر باستغلال أي تطورات محلية أو خارجية في التحريض ضد اللاجئين والأجانب، كما إنها تستفيد بشكل كبير من المقاطع التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن السوريين، والتي يكون محتواها مستفزًا للشعب التركي، مثل المقاطع التي تظهر التصرفات المخالفة للقانون، أو مقاطع رفع الأعلام، أو مقاطع الحوادث والشجارات التي تحدث باستمرار والتي يُدَّعى أن المشاركين فيها سوريون أو أجانب.
[9] أحد المقاطع التي استخدمتها الحسابات المعادية للاجئين بكثرة، يظهر فيه سوري يرفع علم الثورة وهو يسبح في أحد سواحل مدينة أنطاليا، 1/7/2023: https://2u.pw/pKJejFF
[10] لم يذكر أحد أي خبر عن السياح الروس إلا الصحفية نيفشين مينغو المعروفة بدفاعها عن اللاجئين، إذ نشرت مقطعًا لسياح أوكرانيين يتشاجرون مع سائح روسي في أنطاليا بعد أن هددهم الروسي بالقتل وسخر من قتلاهم في الحرب، 2/7/2023: https://2u.pw/Ltmos2I
[11] تغريدة للنائب البرلماني عن الحزب الجيد، لطفي ترك كان، أرفق معها مقطعًا للمظاهرة، وقال إن سكان المنطقة سيتظاهرون مجددًا في اليوم التالي أم مبنى القائمقام للمطالبة بطرد السوريين، 2/7/2023: https://2u.pw/4AuTYSp
[12] تغريدة لأوميت أوزداغ ذكر فيها هذه الادعاءات وأرفق معها مقطعًا مصورًا، 2/7/2023: https://2u.pw/QbN4aak
[13] بيان من صدّار ياووز، والي كوجايلي، 3/7/2023: https://2u.pw/cNGKHst
[14] تغريدة من أحد الحسابات الكبيرة المشهورة بتحريضها ضد اللاجئين يحرّض ضد الطفل ويدعو لترحيله على الفور، ومعظم التعليقات تحت التغريدة تدعو لترحيل الطفل وأهله من تركيا أو للرد عليهم بالعنف في حال لم تقم السلطات بترحيلهم، 2/7/2023: https://2u.pw/S3drRou
[15] بيان من ولاية شانلي أورفة حول الحادثة، 2/7/2023: https://2u.pw/bZGmQaZ
بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين وقضايا السورية، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري