السلوك الإيراني في سوريا عقب الزلزال: أمنيات بالحد من المشروع الإيراني في ظل استمراره وتوسعه عملياً
على الرغم من ارتماء نظام الأسد في الحضن الإيراني، إلا أن كارثة “زلزال القرن” أعادت الحديث عن المقاربة التي طرحتها بعض الدول العربية بضوء أخضر إسرائيلي عام 2018، والقائمة على أساس “استعادة” سوريا من النفوذ الإيراني عبر التقرب من نظام الأسد. حيث باتت الشعارات الإنسانية والمشاعر القومية المفترضة رافعة للمضي بخطة الانفتاح على نظام الأسد حالياً وإعادته إلى “الحضن العربي”؛ الأمر الذي يطرح سؤالاً حول طبيعة التفاعل الإيراني مع هذا الانفتاح خلال فترة ما بعد الكارثة، وما هي دلالات ذلك التفاعل؟
بغضّ النظر عن تصريحات المسؤولين الإيرانيين المرحّبة بالانفتاح العربي على نظام الأسد، فإن التحركات الفعلية على أرض الواقع تؤكد أنْ لا تغيير سواء في تعاطي نظام الأسد مع التمدد الإيراني في سوريا من جهة، أو في السلوك الإيراني بحد ذاته. حيث يمكن عبر شهر كامل الوقوف على سمات أربع للسلوك الإيراني.
أتت السمة الأولى في إطار السعي للتغلغل الناعم عبر النشاط الثقافي والاجتماعي المستتر بالغطاء الإنساني، والذي تمثّل في إرسال إيران مساعدات إنسانية لمختلف المناطق، مع نشاط كبير للجمعيات الإيرانية، إلا أن هذا النشاط جاء كداعم لإستراتيجية التغلغل وليس نشاطاً إنسانياً تقليدياً؛ حيث سطت عبر أذرعها الميليشياوية على المساعدات المقدّمة، ووزعتها على السوريين خصوصاً المقربين منها بمسميات إيرانية أو شيعية، بما يساعدها على تعزيز حاضنتها الشعبية. على سبيل المثال: تصدرت ميليشيات الحشد الشعبي بقيادة مباشرة من رئيس أركانه “عبد العزيز المحمداوي” مشهد المساعدات الإنسانية في حلب وريفها، حيث نشطت في توزيع المساعدات وإجراء الجولات الميدانية وصولاً لإطلاق مشروع سكني مؤلف من خمسمئة شقة في منطقة جبرين قرب مطار حلب. وفي السياق ذاته ركّز حزب الله تحركاته على اللاذقية عبر قافلة إغاثية وحملة دعائية بمسمى “رحماء”. كذلك نظّمت كل من “منظمة الشهداء” و”جمعية الثقلين الخيرية” في حمص وريفها حملات لجمع التبرعات، جاء قسم منها عبر فرض “خوات” أو “رسوم” على التجار، وذلك لتقديم مساعدات للشرائح المدعومة إيرانياً في مدينة حلب.
تمثلت السمة الثانية في استغلال كارثة الزلزال من أجل إعادة الانتشار عسكرياً، إذ شهدت مختلف المناطق السورية حراكاً ميليشياوياً مكثفاً، عبر نقل الشحنات وإرسال الأرتال وإعادة الانتشار والتموضع تحت ستار نقل المساعدات الإنسانية. حيث شهدت مطارات سورية نشاطاً لشركات إيرانية خاضعة للعقوبات هي “ماهان” و”شام” التي يرجح نقلها لشحنات عسكرية نوعية كالمسيرات والصواريخ الموجهة، كما استقدمت مليشيات الحشد الشعبي أرتالاً عسكرية من العراق إلى مدينة حلب تحت الغطاء ذاته، وفتحت باب التطوع للحشد الشعبي من أجل توسيع قاعدتها. وفي الوقت ذاته، تمركزت عناصر جديدة قادمة من العراق تتبع لفيلق بدر في منطقة أورم غرب المدينة، وأخرى في عدد من القرى المحيطة بمدينة حمص بحجة تقديم بعض المساعدات للأهالي لتتبعها، بإنشاء العديد من المراكز والنقاط، فضلاً عن نشاط مليشيات أخرى في تنفيذ حملات عسكرية على الطرق الإستراتيجية كقيام ميليشيا لواء الإمام الحسين العراقي بتمشيط طريق أثريا بريف حماة الشرقي، أو تكثيف عمليات حفر الأنفاق الجديدة على الحدود السورية العراقية. وقد تُوّج هذا النشاط العسكري الميليشياوي باتفاق “رسمي” بين نظام الأسد وإيران، يتضمّن تزويد الأخير بصواريخ الدفاع الجوي “خرداد 15” لمواجهة الضربات الإسرائيلية.
هذا النشاط العسكري الرسمي وغير الرسمي ترافق مع نشاط سياسي والذي يمثّل السمة الثالثة للسلوك الإيراني عقب الزلزال، إذ بادرت إيران إلى تكثيف نشاطها السياسي عبر جولات سفيرها في سوريا ولقاءاته، ونشاط قنصلها في حلب “نواب نوري”، والاتصالات الهاتفية مع رأس النظام. إلا أن أبرز أنشطتها تمثل في زيارة قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى حلب في اليوم التالي للزلزال، ثم إرسالها وفداً برلمانياً إيرانياً بعد زيارة وفد الاتحاد البرلماني العربي، وزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سوريا.
أما آخر هذه السمات، فأتت في استمرار النشاط الإجرامي الذي يستهدف دول الإقليم بما فيها تلك التي تسعى للانفتاح على نظام الأسد، حيث لم تؤثر كارثة الزلزال في منظومة تجارة الكبتاغون والشبكات المرتبطة بها، إذ أعلنت الأردن بعد أسبوع من الزلزال عن إحباط محاولة تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية، خلال عملية أسفرت أيضاً عن إصابة عدد من المهرّبين وفرار آخرين، ليتبعها إعلان سعودي عن ضبط خمس ملايين حبة كبتاغون في شحنة كابلات؛ تبعها بأيام اعلان عن ضبط مليوني حبة في شحن طماطم ورمان.
يبدو أن إيران واضحة جداً في سلوكها المستمر عملياً في سوريا والمنطقة عموماً، والقائم على توسيع إمبراطوريتها ومد نفوذها في المنطقة، وهو ما يعني بدوره أن الأفكار العربية بإغراء نظام الأسد للخروج من الحضن الإيراني أو المراهنة على يأس الأخيرة من استحواذها على سوريا وتجاوبها مع التوجّه الإقليمي أو على الأقل إظهار تجاوب معه؛ ليست إلا محض أحلام؛ وذريعة للتكيف مع الواقع الجديد في سوريا. ودليل جديد على استمرار العقم العربي في مواجهة التحديات والمخاطر الإقليمية.