أقلام المنتدى

التطبيع العربي مع بشار الأسد.. دوافع وأهداف تضيّع فرص الحل السياسي في سوريا

استكمالاً لمسار التطبيع العربي مع نظام الأسد الذي قررت المملكة العربية السعودية قيادة عجلته، بعد أن عبر سلسلة من المحطات كان أبرزها فتح الإمارات سفارتها بدمشق 2018،  والمبادرة الأردنية القائمة على مبدأ خطوة مقابل خطوة 2021، تتوّج الرياض هذا المسار باستضافة نظام الأسد في مدينة جدة  للمشاركة في القمة العربية بعد قرار منحه مقعد سوريا بالإجماع.

يُمثّل الموقف السعودي الأخير خروجاً واضحاً عن موقفها السابق خاصة إذ ما نظرنا إلى مضمون البيانات الأخيرة التي أصدرتها الرياض أو شاركت في كتابة مضمونها، على سبيل المثال أكد البيان الختامي للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق الصادر يوم 13/4/2023، على ضرورة التوصُّل إلى حل سياسي من دون الإشارة إلى مرجعية القرارات الدولية، إلى جانب الحديث عن مكافحة تهريب الكبتاغون  ودعم الملف الإنساني، ونقاط أخرى، ثلاث منها على الأقل هي بالأساس رؤية نظام الأسد للحل في سوريا متمثلة في: “مكافحة الإرهاب”، و”دعم مؤسسات الدولة”، و”عودة اللاجئين والنازحين”.

تقول الدول العربية المطبّعة مع نظام الأسد إن المسار الذي تسلكه من شأنه إحداث اختراق في الحل السياسي في سوريا حتى وإن كان عبر تجاوز معادلة “إزاحة بشار الأسد عن الحكم”، والقفز فوق الأسباب التي دفعت الدول سابقاً لمقاطعته بما في ذلك انتهاكاته لحقوق الإنسان، ولجوؤه للحل الأمني لقمع المعارضين عبر قتلهم أو اعتقالهم، واستخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين، فهل بالفعل تُعدّ الدول العربية المطبّعة والدافعة باتجاه التطبيع جادة في استخدامه للدفع بمسار الحل السياسي في سوريا؟

تشير دراسة صادرة عن مركز راند اعتمدت على أبحاث حللت عشرات النزاعات الداخلية إلى أن الوصول إلى حل سياسي لأي “نزاع داخلي” يتطلب مجموعة عوامل موضوعية يجب تحققها، أهمها:  التوازن بين أطراف النزاع، وعدم قدرة كل طرف على حسم الصراع عسكرياً مع دفعه لتكلفة العمل العسكري أو ما يعرف بـ “الجمود الضار”، ووجود طرف ضامن لأطراف النزاع، عدم التدخل الخارجي أو في حال وجوده أن يكون بهدف تحقيق التوازن، ووجود الثقة بين الأطراف من خلال التركيز على القضايا الحاضرة التي يكون لها انعكاس على الواقع مثل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين …إلخ.

لو استعرضنا سلوك الدول العربية المطبّعة وحتى بياناتها، وعلى اعتبار أنها تُشير إلى أن عملية التطبيع هي بهدف تسهيل الوصول للحل السياسي، نجد أن سلوكها وبياناتها لا علاقة لها بالعوامل التي يمكن أن تساهم في الوصول إلى حل سياسي، بل على العكس تناقضها.

على صعيد التوازن بين الأطراف، أهملت الدول هذا العامل وعملت على ترجيح كفة أحد أطراف النزاع وهو نظام الأسد عبر التواصل معه والتطبيع مقابل تجاهل واضح  لقوى الثورة والمعارضة، وهو ما سيجعل الأسد ينظر لنفسه نظرة المنتصر الذي لا يحتاج لحل سياسي إلا بالشكل الذي يريده، والأمر نفسه ينطبق على عامل “الجمود الضار” ويعني  عدم قدرة الأطراف المتحاربة الانتصار عسكرياً وإدراكهم بأهمية الجلوس للتفاوض، وهنا لم تُبدِ الدول المطبّعة اهتماماً بهذا العامل لعدم امتلاكها القدرة على التأثير في ظل استحواذ روسيا وإيران على الملف العسكري، لا  بل على العكس أكدت على أهمية “مكافحة الإرهاب”، ودعم مؤسسات “الدولة”.

علاوة على ذلك، لنجاح أي مسار تفاوضي يجب وجود طرف ثالث ضامن يضمن التزام جميع الأطراف ببنود أي اتفاق، وهنا لم تقدّم الدول المطبعة نفسها كضامن إنما أظهرت وبشكل علني اصطفافها إلى جانب نظام الأسد من خلال تبادل البعثات الدبلوماسية، وإظهار الدعم الكامل له.

ومن العوامل المهمة هو تكافؤ قوة التدخل الخارجي للجهات المتحاربة وخلق حالة توازن عسكري، وفي الحالة السورية وبعد التغييرات التي شهدتها خريطة النفوذ والسيطرة، لم تعد الدول العربية المطبعة تمتلك الفاعلية في هذا المجال وبالتالي باتت محدودة التأثير.

وأخيراً، فيما يتعلق بالتمسك بقضايا الحاضر، يتجاهل التوجه العربي التطبيعي هذه القضايا وعلى رأسها: إعلان وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين، والتركيز على قضايا مستقبلية كدور عربي من شأنه إدارة الملف السوري لتحقيق ما أسماها بـ “المصالحة الوطنية” وهي رؤية تتقاطع مع فكرة نظام الأسد للحل السياسي عبر نموذج المصالحات.

كل ذلك يشير إلى أن الدول العربية المطبّعة لم تحاول حتى تغطية عورة تطبيعها بخطوات شكلية تدفع مسار الحل السياسي في سوريا الذي تدّعي المضيّ به، ويكشف أن عملية التطبيع الجارية والمستمرة مع نظام الأسد أقرب ما تكون إلى عملية التطبيع العربي – الإسرائيلي التي قامت بها عدة دول عربية بحجة أن التطبيع سيُساهم في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يحقق مصالح الفلسطينيين، ليتبين أن عملية التطبيع كانت عبارة عن صفقات تُحقّق بها الدول والحكومات المطبعة مصالحها الذاتية، ولا علاقة لها بحل الصراع الذي ما يزال مستمراً.

مقالات الكاتب

صحفي سوري، ومنتج أخبار في قناة حلب اليوم الفضائية، وباحث مساعد في مركز الحوار السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى