أقلام المنتدى

إستراتيجية الرّعب الإسرائيلية.. فاتورة الدم الثقيلة في سبيل “النصر”

لعل مقولات عسكرية كثيرة يتمّ تداولها اليوم في حروب ومواجهات عالمية تعود إلى نظريات خرجت على يد عسكريين قدامى، ولا سيما في فترة الحرب العالمية الثانية، التي أثبتت فيها البشرية أن صناعة الانتصارات أهم عند القادة والزعماء من دماء البشر، وأن الغاية تُبرّر الوسيلة مهما كانت فظيعة.

من المقولات التي روّجها العسكريون الألمان في الحرب العالمية الثانية، جملة مُخيفة، تختصر منطق الحروب البشرية الجديدة، التي لا تُعطي أي مجال للأخلاقيات الإنسانية والعواطف، وهي: “ما لا يُحصّل بالعنف، يمكن تحصيله بمزيدٍ من العنف”، وعلى أساس المقولة، يتم مسح أي اعتبارات إنسانية في منطق الحرب، ويبقى التركيز موجّهاً فقط تجاه نتيجة الحرب، وصناعة الانتصار العسكري.

جرياً على هذه المقولة أراد هتلر السيطرة على أوروبا، ولم يكن يعنيه آنذاك كم مليوناً يمكن أن يُقتل في هذه الحرب، وكم مدينة ستُهدّم، كان مهووساً فقط بصناعة حلمه النازي القديم، الذي يجعله حاكماً على القارة العجوز ثم ينطلق منها إلى حكم العالم. ولم يتأخر هتلر في ذلك فعلاً، وأعطى في أربعينيات القرن الماضي أسوأ نموذج عسكري يمكن لحاكم أن يتّبعه في الدعس على حياة البشر مقابل الإنجازات العسكرية.

منذ سنوات، وبهذا المنطق استطاع بشار الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون أن يصنعوا “انتصارات عسكرية” على جماجم المدنيين السوريين، حيث لا اعتبارات لحيوات الناس، تُحاصَر المنطقة المستهدفة على طريقة القرون الوسطى، ويصبح سكانها بلا ماء أو غذاء أو كهرباء أو أدوية، وبموازاة ذلك تُمطَر الأرض بأطنانٍ من القذائف والصواريخ ذات القدرة التدميرية العالية، والمحرمة دولياً أيضاً، ويتمّ التفاوض حول شيء واحد: اخرجوا من المكان فإننا داخلون.

وبعد هذه المجازر الرهيبة، تدخل الدبابات وعليها الجنود في مشهد مهيب، وكأنهم خاضوا معركة ضروساً ضد “الإرهابيين”، فيما كان خصومهم الحقيقيون الأطفال والنساء والعُزّل، والأرض التي أصبحت أثراً بعد عين.

بهذا المنطق نفسه تتصرّف “إسرائيل” مع قطاع غزة منذ 7 أكتوبر تشرين الأول، واستناداً إلى مقولة “ما يُحصّل بالعنف يتم تحصيله بمزيد من العنف”، يتّبع جيش الاحتلال الإسرائيلي خطوات جيش بشار الأسد، وما يُسمّى “قواعد حماة” التي ارتكب عن طريقها حافظ الأسد واحدةً من أبشع مجازر القرن العشرين في مدينة حماة عام 1982، بعيداً عن عدسات الكاميرات والتغطيات الإعلامية.

نفس الخطوات تماماً.. حصار خانق لا إنساني، وقصف لا يتوقّف على مدار الساعات الـ 24، يدّعي فيه قادة “إسرائيل” أنهم يدكّون أنفاق حماس ومراكزها، بينما المُستهدف الحقيقي هم سكان القطاع، الذين تجاوز عدد ضحاياهم الموثقين 8 آلاف حتى لحظة كتابة هذه السطور، ما عدا عن عشرات آلاف المصابين وعشرات المفقودين الذين لا يزالون تحت الأنقاض.

إستراتيجية الرعب، أو الأرض المحروقة، أو “قواعد حماة”، كلها بالمجمل مصطلحاتٌ عسكريةٌ ذات مدلول واحد، يفسّر المقولة الألمانية السابقة، ويلهث فيها القادة العسكريون وراء أي “نصر مزعوم” يحفظ ماء وجوههم أمام قاعدة الرأي العام، غير مُبالين بانتقادات حقوقية أو اتهامات بجرائم حرب أو انتهاكات شنيعة، ما دامت الغاية عندهم تبرّر كل الوسائل.

مقالات الكاتب

مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى