تركيا بعد الانتخابات البلدية… هل سيبدأ عصر اندماج اللاجئين؟
شهدت تركيا يوم 31 مارس/آذار 2024 إقامة انتخابات بلدية حقّق فيها حزب الشعب الجمهوري (المعارض) الأغلبية لأول مرة منذ عام 1977، وفاز بمعظم بلديات المدن الكبرى، فيما حلّ حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في المركز الثاني لأول مرة في تاريخه.
عقب انتهاء هذه الانتخابات وتسلُّم رؤساء البلديات الجدد مهامهم، بدأت تظهر على السطح بوادر سياسات البلديات الجديدة تجاه اللاجئين. وكانت البداية من مدن لا يقطن فيها الكثير من اللاجئين، مثل بولو وأفيون كاراحصار وأوشاك، التي فاز فيها حزب الشعب الجمهوري، إذ تعهّد رؤساء بلديات هذه المدن بطرد اللاجئين منها، وبدؤوا بإزالة اللوحات العربية وإغلاق محلات اللاجئين غير المرخصة، كما اتخذ رئيسا بلديتي كيليس وبورصة، التي يقطن فيها نسبة لا بأس بها من اللاجئين السوريين، قرارات مشابهة بإزالة اللوحات العربية في مدينتيهما، في حين ظهرت ردة فعل قوية من أوساط مؤيدة للحكومة ومؤيدة للمعارضة ضد استهداف اللوحات العربية، إذ رؤوا أنها تصرُّفات عنصرية ستفتح الباب أمام استهداف الأقليات الأخرى داخل الشعب التركي نفسه[1].
لكن في الجانب الآخر، بدأت وسائل إعلام مقرّبة من الحكومة التركية بنشر فيديوهات ومقالات لأكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى[2]، ومنصور ياواش، رئيس بلدية أنقرة الكبرى[3]، وولي أغبابا، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري[4]، وسيلين سائق بوكيه، نائبة رئيس الحزب[5]، تحدثوا فيها عن سعي الحزب لتطوير سياسة لدمج اللاجئين في المجتمع التركي، وتأسيس وزارة للهجرة والاندماج عند وصولهم للحكم. وتسبّب ظهور هذه التصريحات بردة فعل غاضبة ضد المعارضة من الأطراف المعادية للاجئين، إذ اتهموا إمام أوغلو وقيادة حزب الشعب الجمهوري الجديدة بأنها تعمل على “شرعنة احتلال اللاجئين” بتمويل أوروبي، وعزز الهجوم أيضاً استضافة بلدية إسطنبول لأطفال أفارقة وعرب ومن جنسيات أخرى في عيد الطفولة والسيادة الوطنية[6].
تبيّن فيما بعد أن تصريحات قيادات المعارضة تجاه مسألة الاندماج قديمة، إذ كان تصريح إمام أوغلو يعود لعام 2021 في اجتماع مع مؤسسات من الاتحاد الأوروبي، وتصريح ياواش كان في عام 2019 في اجتماع مع جهات أوروبية أيضاً، وتصريحات القياديين الآخرين أيضاً تعود لتواريخ أقدم[7].
تسبّب الهجوم على سياسة إزالة اللوحات العربية، وعلى تصريحات دعم سياسة الاندماج، بخروج رئيس الحزب، أوزغور أوزال، قائلاً إن حزبه يرفض إزالة اللافتات العربية، وإن بلديات حزبه لن تزيلها بعد الآن، كما قال إن حزبه لا يؤيد سياسة الاندماج، وإنما سيعمل على تأمين عودة اللاجئين إلى بلادهم كأولوية عند وصولهم للحكم[8].
قضايا مرتبطة بهذا السياق:
بعد نهاية الانتخابات بدأ حزب العدالة والتنمية بالبحث عن أسباب هزيمته، وتباينت آراء أعضاء الحزب ومؤيديه حول هذه النقطة، إلا أنه كان من الملاحظ تصاعد أصوات تطالب بعودة الحزب إلى السعي وراء هدف الانضمام للاتحاد الأوروبي، والعودة إلى الخط الإصلاحي واحترام القضاء بشكل أكبر والتراجع عن بعض القرارات القضائية المتخذة ضد نشطاء مظاهرات غيزي عام 2013 [9]. وجاء رد الفعل ضد هذه التصريحات قاسياً من طرف حزب الحركة القومية، حليف حزب العدالة والتنمية، إذ اتهم هؤلاء الأشخاص بالخيانة[10].
كما ظهرت بوادر أخرى تشير إلى وجود خلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، إذ هاجم رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، وزير المالية، محمد شيمشيك، بحجة أنه استخدم مصطلح “السكان المحليين” قاصداً الشعب التركي في أحد المؤتمرات العالمية، ووصف بهتشلي هذا التصريح بأنه “فضيحة” ومحاولة لتقليل قيمة الشعب التركي، وأصدرت وزارة المالية بياناً نفت فيه الاتهامات وبررت استخدام ذلك المصطلح، ثم استدرك الحزب بعد ساعات وقال إن المقصود بالتصريحات كان رؤساء بلديات المعارضة[11].
في الجانب الآخر، يستعد الرئيس أردوغان ورئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، للاجتماع بشكل ثنائي في سابقة هي الأولى من نوعها منذ ما يقارب 7 سنوات. وينتظر في هذا اللقاء أن يناقش الطرفان مسألة الدستور الجديد، والمسائل الأخرى العالقة بينهما. وكانت الدعوات لهذا الاجتماع قد جاءت من الطرفين بلغة وديّة غير مألوفة في السنوات الأخيرة، ما يبشر ببداية عهد جديد في العلاقة بين الحكومة والمعارضة[12].
وفي سياق آخر، تعرّضت الأحزاب القومية، مثل حزب الظفر والحزب الجيد، إلى هزيمة مدويّة في هذه الانتخابات، إذ حقق الحزب الجيد الفوز في مدينة واحدة فقط هي مدينة نيفشهير (وسط تركيا) وفاز ببعض بلديات الأحياء، فيما فشل حزب الظفر بالفوز بأي بلدية كبرى أو صغرى. وأشارت هذه النتائج إلى تراجع شعبية الأحزاب التي بنت حملتها الانتخابية على العداء للاجئين.
وسط هذه التطورات، خرج رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلتشدار أوغلو، قائلاً إنه يرفض الحوار مع أردوغان “الذي أفقر البلاد وأدخل الملايين من اللاجئين لتخريب ديمغرافية تركيا” على حد وصفه[13]، فيما بدأ حزب الظفر وأتباعه بمهاجمة حزب الشعب الجمهوري بشكل مكثف بسبب التصريحات المتعلقة بالاندماج التي ظهرت مؤخراً، كما أظهرت الأطراف المقربة من حزب الحركة القومية عدم رضاها عن تقارب حزب العدالة والتنمية مع الشعب الجمهوري، ونشر بهتشلي مقطعاً له مع أغنية في الخلفية تتحدث عن “الخيانة وغدر الأصدقاء”[14]، بشكل فسّره العديد من المحللين على أنه رسالة لحزب العدالة والتنمية[15].
مستقبل التعامل مع اللاجئين:
من الواضح أن حزب الشعب الجمهوري يشهد تردداً داخلياً فيما يخص سياسته تجاه اللاجئين، إذ اعتمدت العديد من بلدياته في السنوات الماضية، من بينها بلديات أنقرة وإسطنبول وإزمير، على دعم أوروبي وأممي مقابل تنفيذ مشاريع تدعم اندماج اللاجئين، ومنها المناسبات التي خرجت فيها التصريحات التي ذكرت أعلاه، لكن هذه المشاريع لا تلقى دعماً من شريحة داخل الحزب تعادي اللاجئين، ومن الشرائح القومية الأخرى التي يرغب الحزب في استقطابها من أجل الانتخابات المقبلة، لذا نجد أن هناك تصريحات مترددة تارة تعلن عدم اتباع سياسة الاندماج، وتارة ترفض سياسة إزالة اللوحات العربية.
ومن المتوقع أن تستمر برامج الاندماج ودعم اللاجئين التي تُنفّذها البلديات بتمويل خارجي، لأن البلديات بحاجة للتمويل في ظل الأزمة الاقتصادية وظهور أخبار عن احتمال تقليص النفقات الحكومية للبلديات، لكن من الممكن ألا تعلن البلديات عن هذه المشاريع على نطاق واسع كيلا تثير ردود فعل الجهات المعادية للاجئين، وقد اتبعت بلدية إسطنبول الكبرى في الفترة الماضية سياسة مشابهة، إذ نشرت في الإعلام بعض الاخبار التي فُهمَت على أنها تضييق على اللاجئين وهي ليست كذلك[16]، ومررت بالمقابل بعض المشاريع الداعمة للاجئين دون الإعلان عنها في الإعلام[17]، ونجحت بذلك في تهدئة أصوات معادي اللاجئين وكسب التمويل الخارجي.
بالنظر إلى طرف الحكومة، فإن استخدام بعض الحسابات الإخبارية والصحفيين المقربين منهم تصريحات المعارضة الداعمة لسياسة الاندماج من باب الانتقاد أمر يثير المخاوف، إذ يبدو أن هناك أطرافاً تريد استمرار العداء للاجئين لأهداف سياسية أخرى، فيما يُفترض أن يكون موقف الحكومة داعماً لتوجهات المعارضة الداعمة لحل مشكلة اللاجئين بشكل إنساني، من أجل إيجاد حلول جذرية لها وإخراجها من محور التنازع السياسي.
من الممكن أن يؤدي لقاء أردوغان وأوزال المنتظر إلى انفراجة قريبة تُقرّب وجهات نظر الطرفين في العديد من القضايا، من بينها قضية اللاجئين، ويمكن إن حدث تقاربٌ فعليٌ أن تشهد سياسة الحكومة والبلديات تغيراً واضحاً في تعاملها مع قضية اللاجئين، أما إن استمر الاستقطاب على ما هو عليه فمن المحتمل أن تدفع الانتقادات قيادة حزب الشعب الجمهوري المترددة والخائفة من المستقبل للعودة إلى المربع الأول لتستهدف اللاجئين بشكل عنصري بحت دون العمل على حل المشكلة، وتستمر الحكومة بسياستها الحالية بمحاسنها وعيوبها دون أي تغيير.
بكالوريوس في قسم الفلك وعلوم الفضاء من جامعة أنقرة، مهتم بالشأن التركي وعلاقته بقضايا اللاجئين السوريين وقضايا السورية، ونشر وشارك في إعداد عدد من التقارير والمقالات حول هذا الموضوع ضمن الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري