الهاربون من بطش نظام الأسد في السودان.. ماذا تتوقّعون من القاتل؟
في غمرة الحرب الداخلية الدائرة بالسودان، واقتتال حلفاء الأمس أعداء اليوم، ظهر ملفّ اللاجئين السوريين هناك على أنهم “الورقة الأضعف” في ظل مقتل عدد منهم جراء الاشتباكات، وسطوة الفلتان الأمني على حياتهم وأرزاقهم واستقرارهم “النسبي”.
تغيّرت عجلة حياة اللاجئين السوريين في السودان عقب إطاحة الجيش بالرئيس المعزول عمر البشير، وبدأت الحكومة العسكرية الجديدة بالتضييق على السوريين في إقاماتهم ومتاجرهم، بل ولاحقت كذلك الذين نالوا الجنسية السودانية، فراحت تدقق في إضباراتهم وتتوعد بانتزاع الجنسية من قسم منهم.
غير أن الاقتتال الأخير بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قلب الأوضاع في البلاد رأساً على عقب، ونال اللاجئين السوريين الكفلُ الأكبر من معاناة الاقتتال الداخلي، ونقول الكفل الأكبر لأن أهل البلاد يعرفون إلى أين يفرّون، سواء داخل البلاد، أو خارجها، أما اللاجئون السوريون فالغالبية منهم وصلوا إلى السودان منذ سنوات بلا تأشيرة دخول، والكثير منهم لم يجدّدوا جوازات سفرهم باعتبار أنهم استقرّوا نسبياً ولا يفكرون بالخروج من البلاد، في ظل انعدام الخيارات، وإغلاق معظم مطارات العالم أبوابها في وجوههم.
عشرات آلاف اللاجئين السوريين في السودان اليوم بات حلمهم بقعة لجوء جديدة، والغالبية منهم لا تهمّهم تلك الوجهة، المهمّ أن يُنتشَلوا من أتون الحرب الدائرة، والفلتان الأمني المُستعِر، الذي جعل بعضهم ضحيّة عصابات السلب والنهب.
يراقب السوريون العالقون في السودان اليوم جميع الجاليات العربية والدولية، كيف تتسابق حكوماتهم ودولهم إلى إجلائهم وتأمين حياتهم، بينما هم كالأيتام، لا حكومة تسأل عنهم، ولا نظام يرسل إليهم طائرات إجلاء.. مقطوعون من شجرة، كما يعلّق أحدهم متحسّراً على السجلّ المدني الذي دوّن اسمه مواطناً سورياً في حقبة العائلة الأسدية.
يعلّق أحدهم على فيسبوك: لماذا كلّ هذا التعويل على نظام الأسد في إجلائنا وإنقاذنا وإرسال طائرات إغاثة؟ وهل صنّفه الشعب السوري على أنه حكومة شرعية تخدم وطنها وشعبها كي نتّهم ذاك النظام بالتقصير؟!
يتابع.. وهل لديه عقل من يعتبُ على تقصير ذاك النظام في إنقاذنا هو الذي قتل مليون شخص، وهو الذي هجّر نحو ثمانية ملايين سوري في بقاع الأرض يبحثون عن بقعة آمنة تقيهم حرّ المدافع وبرد المعتقلات؟، هل نعتب على نظام لا يزال الذين يفاوضونه يقولون له: لا نريد منك الكثير، كبادرة حسن نية أطلق المعتقلين من زنازين الموت ومسالخ التعذيب، فيقول لهم: هذا مُحال!
تتخيّلون أن نظاماً كهذا جعل الشعب السوري برُمّته أعداء له لمجرد أنهم طالبوه بحياة كريمة، شنّ حرباً دامية منذ اثنتي عشرة سنة، واستعان بكل شذّاذ الآفاق ومجرمي الأرض لتأديب شعبه وتركيعهم، ثم يأتي من السوريين أنفسهم من يعتب عليه لأنه “قصّر” في واجب اللاجئين بالسودان، وهل هذا النظام نفسه تابع شؤون اللاجئين الذين هجّرهم في لبنان والتضييق المتواصل عليهم منذ سنوات؟ وهل سأل عن أوضاع نظرائهم في مخيمات صحراء الأردن؟ وفي تركيا؟
دعونا نقرّب المسألة قليلاً.. هل سأل هذا النظام عن النازحين داخل جغرافيا الوطن في مخيمات الشمال أو مخيمات الشرق والجنوب السوري؟
هذا النظام ليس السوريون بالنسبة له سوى عمّالٍ في مزرعة آل الأسد، ينالون الرضا فقط عندما يهتفون بالروح والدم لفدائه، أمّا إذا خرجوا عن الطاعة فلهم القتل والسجن والتعذيب، والمحظوظ منهم من فرّ بجلده إلى بلد مجاور أو بعيد، وحتى هذا المحظوظ اعتبره بشار الأسد يوماً ما في إحدى تصريحاته “إرهابياً” وحذّر الدول المضيفة للسوريين منهم، ولاحقهم حتى في منافيهم القسرية.
لا أدري بعد هذه العُجالة من السرد إن كان أحد من السوريين يحقّ له أن “يعتب” على هذا النظام، أو يتّهمه بالتقصير في إجلاء اللاجئين من السودان، ولنفترض أنه أجلاهم.. فهل سينقلهم إلى فنادق وملاجئ آمنة يضمد جراحاتهم؟ لن يكون مصير الذين يُجليهم النظام – فيما لو أجلاهم- سوى غرف التحقيق، وزنازين التعذيب، التي ستبدو حرب السودان مقارنة بها، نزهة ورفاهية كبيرة.
مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية