تشديد حكومي كبير على اللاجئين في تركيا
أطلقت الحكومة التركية حملة جديدة واسعة النطاق تستهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية، تركزت في المدن الكبرى التي ترتفع بها نسب الأجانب، وذلك بعد مرور شهر واحد على انقضاء الانتخابات التركية التي أسفرت عن فوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وتحالف الجمهور بالأغلبية البرلمانية.
وتضمنت هذه الحملة رفع الرقابة الأمنية لأعلى مستوياتها، وزيادة حملات التفتيش في الشوارع والأسواق والمناطق الصناعية، وامتدت حتى للسواحل والمنتزهات والمجمعات التجارية. ويتم خلال هذه الحملات التحقق من الهويات الشخصية، والقبض على أي أجنبي مخالف وإرساله إلى مراكز الترحيل تمهيدًا لإخراجه من تركيا، ولا ينجو منها في بعض الأحيان غير المخالفين لأسباب منها عدم حمل الأوراق الثبوتية، أو عدم تحديث البيانات رغم عدم علمهم بحاجة بياناتهم للتحديث أو كون ذلك ملزما بالفعل.
تصريحات المسؤولين والصحف المقربة من الحكومة
بدأت الصحف الموالية لحزب العدالة والتنمية بالحديث عن خطة الحزب للانتخابات البلدية المقبلة، والتي تضمنت التعامل مع ملف اللاجئين بحزم من أجل إقناع المواطنين بالتصويت لهم واستعادة المدن والبلديات التي خسروها في انتخابات 2019[1].
كما خرج رئيس حزب الحركة القومية وحليف حزب العدالة والتنمية، دولت بهتشلي، في خطاب في البرلمان قال فيه إن الهجرة غير الشرعية هي احتلال للبلاد، وأكد على دعم حزبه لجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية بلا أي تردد، وعلى دعم مساعي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي وكريم وآمن[2].
ومؤخرًا خرج وزير الداخلية، علي يرلي كايا، في حوار صحفي مع الصحفي الشهير أحمد هاكان، أكد فيه على تشديد الحملات الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية منذ أسبوع، وقال إن الشعب التركي سيلاحظ فرقًا كبيرًا في انتشار الأجانب في المنتزهات والسواحل والشوارع خلال 4-5 أشهر[3].
وقال يرلي كايا إن المهاجر غير الشرعي هو أي شخص دخل تركيا بصورة غير نظامية، أو استمر بالبقاء فيها بصورة غير نظامية، أو الذي يعمل بصورة غير نظامية. وهذا يشمل السياح الذين يبقون في تركيا بعد انتهاء تأشيرتهم أو مدة إقامتهم الرسمية. وأشار إلى أن هذه العمليات للقبض على المهاجرين غير الشرعيين تشمل جميع الولايات التركية وليس إسطنبول وحسب[4].
وبعد عودته من قمة الناتو في ليتوانيا، خرج الرئيس أردوغان في تصريحات مشابهة لما قاله وزير الداخلية يرلي كايا، إذ أكد على أن مكافحة الهجرة غير الشرعية مستمرة، وعلى أن المواطنين سيشعرون بفرق ملحوظ بهذا الخصوص خلال فترة قصيرة، كما أشار إلى أن الحكومة بدأت بحملة واسعة ضد المهربين، خصوصًا على الحدود الشرقية[5].
وقال أردوغان أيضًا إنه يجب عدم الخلط بين اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا وبين المهاجرين غير الشرعيين، لافتًا أيضًا إلى أنهم يعملون بجد من أجل تأمين عودة طوعية كريمة للاجئين إلى بلادهم، وإلى أنه من المهم منع الهجرات التي ستنشأ من شمال سوريا في مكانها قبل أن تصل إلى تركيا.
الوضع على أرض الواقع
بدأ التشديد الفعلي على أرض الواقع مع بداية شهر يوليو/تموز تقريبًا، وذلك بالتزامن مع إجازة عيد الأضحى ووقوع عدد من الحوادث التي استغلتها الأحزاب المعادية للاجئين في التحريض عليهم من جديد، وبدأت هذه الحملة من السواحل وأماكن التنزه، إذ قام عدد من السياسيين المعادين للاجئين بالتحريض على الأجانب الذين يتجمعون في السواحل والمنتزهات، مدّعيًا أنهم يتسببون بإزعاج المواطنين الأتراك خلال إجازتهم.
وانتقلت الحملات الأمنية بعد ذلك إلى الشوارع ومحطات المواصلات العامة والمناطق الصناعية التي يحتمل وجود العديد من المخالفين فيها، وبدأت الدوريات الأمنية في الانتشار حتى في المجمعات التجارية أيضًا. وتركزت هذه الحملات في البداية في مدينة إسطنبول على وجه التحديد، ثم بدأ التشديد ينتشر في المدن الأخرى.
ولم يشمل التشديد زيادة حجم الدوريات الأمنية وحسب، إذ بدأت ترد العديد من الأخبار عن رفض العديد من طلبات تجديد الإقامات السياحية، والتضييق الشديد على منح أذونات السفر لحاملي هوية الحماية المؤقتة، حتى من القادمين من مناطق متضررة بالزلزال، ما يشير إلى وجود تضييق شامل على الأجانب في تركيا بمختلف أوضاعهم القانونية.
وتضمنت هذه الحملات الأمنية العديد من الممارسات العشوائية وغير المنضبطة، مثل ترحيل أشخاص غير مخالفين ويملكون وثائق رسمية صالحة، أو بترحيل اللاجئين الموجودين في ولاية أخرى غير التي تم تسجيلهم فيها إلى ولاية ثالثة، أو حتى إلى سوريا في بعض الحالات، وتعسير بعض المعاملات الاعتيادية كتحديث البيانات أو تجديد أذونات العمل، وقد تعود هذه الأخطاء في بعض الأحيان إلى مزاجية بعض الموظفين المنفذين لها.
ومؤخرًا بدأت بلديات بعض المدن بإزالة لوحات المحلات التجارية المكتوبة بالعربية، مثل إزمير ومرسين[6]. في حين لم تقم هذه الحملة بإزالة اللافتات المكتوبة بلغات أخرى كالإنجليزية أو الفارسية أو اليونانية، ورغم أن هذه البلديات تتبع لحزب الشعب الجمهوري المعارض، إلا أن تزامن هذه الخطوات مع التشديد الأمني الذي تقوم به الحكومة يشير إلى حجم الضغط الذي تمارسه الأحزاب المعادية للاجئين على الحكومة والمعارضة في سبيل التضييق على وجود الأجانب في تركيا، خاصة العرب منهم.
رجال الأعمال يشتكون
لم تمر مدة طويلة من هذه الحملة الأمنية الكبيرة إلا وقرر العديد من العمال السوريين اللاجئين وحتى الأجانب بالامتناع عن الذهاب للعمل خشية القبض عليهم لعدم امتلاكهم أذونات عمل نظامية، أو حتى التفكير بشكل جدّي بالهجرة إلى أوروبا أو دول أخرى رغم كل ما تحمله هذه الخطوة من تكاليف مالية عالية ومخاطر أمنية كبيرة.
ومع هذا التحول الجديد، بدأت تتصاعد أصوات من رجال الأعمال الأتراك للشكوى من عدم وجود عمالة كافية للاستمرار في الإنتاج بالوتيرة نفسها، وكان من أبرز المشتكين رئيس الغرفة الصناعية في أنقرة، سيد أردتش، الذي قال إنه إذا ذهب الأجانب من تركيا فورًا فسيتعرض القطاع الصناعي إلى مشكلات، مطالبًا بإنشاء وزارة للهجرة لإصلاح أوضاع المهاجرين وجعلها نظامية كي تحل هذه المشكلة، مشيراً إلى أنهم يعلنون عن وظائف في مكبرات الصوت الخاصة بالجوامع، إلا أنهم لا يجدون أحدًا يرضى بالعمل عندهم، ومعتبراً أن هذا النقص في اليد العاملة بسبب فتح جامعات في كل المدن التركية وجعل الشباب يدرسون تخصصات بكميات أكبر بكثير من الطلب المقدم عليها[7].
كما بدأ عدد من الصحفيين والنشطاء المؤيدين للحكومة بالقول إنهم يتلقون شكاوى من العديد من رجال الأعمال الأتراك بعد عمليات الترحيل الأخيرة لعدم وجود عمال يسدون مكانهم، مضيفين بأن العديد من القطاعات قد تتعرض للإفلاس، أو قد ترتفع الأسعار فيها بشكل كبير في الفترة المقبلة بسبب عدم وجود عمال أتراك[8].
خاتمة
لم تهدأ الأوضاع في تركيا بالنسبة للاجئين والأجانب رغم مرور أكثر من شهر على انتهاء الانتخابات، ولا يبدو أنها تتجه نحو الهدوء، إذ سرعان ما بدأت جميع الأحزاب السياسية بالاستعداد للانتخابات البلدية التي ستقام في مارس/آذار المقبل، والتي –كالعادة- اتخذت من اللاجئين والأجانب مادة أساسية في الحملات الانتخابية.
ويبدو التركيز على تخفيض عدد الأجانب والمهاجرين واللاجئين، إحدى أولويات التحالف الحاكم تحضيرًا للانتخابات البلدية القادمة، في محاولة لامتصاص غضب الشارع التركي المتأثر بالأزمة الاقتصادية الحادة، ورغبة في تحقيق إنجاز واضح للحكومة الجديدة التي استلمت مهامها بعد انتخابات استقطبت الشارع التركي بشكل واضح.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الحملة لأشهر قادمة، استعدادًا للانتخابات البلدية، إذ يرى حزب العدالة والتنمية أن مفتاح الفوز بالمدن الكبرى من جديد يمر بحل مشكلة انتشار الأجانب بشكل كبير في هذه المدن، ومن الضروري التخفيف من وجودهم فيها، خاصة مع وعود قدمها وزير الداخلية الجديد بإمكانية ملاحظة فرق كبير في انتشار الأجانب في الحدائق والمنتزهات والسواحل والشوارع خلال مدة 4-5 أشهر فقط.
من الصعب توقع تغير في السياسات الحالية، وتراجع في وتيرة التشديد الأمني قليلًا في المستقبل القريب، مالم يتمكن رجال الأعمال -الذين فقدوا العمالة الأجنبية التي يشغّلونها في الغالب بأجور متدنية ودون منحهم كافة المتطلبات اللازمة التي يضطرون لمنحها للمواطنين الأتراك- من الضغط على الحكومة الحالية لتخفيف حدة الحملة الأمنية الحالية، أو الحصول على تسهيلات في منح أذونات العمل لهؤلاء العمال، وقوننة عملهم، بشكل يخفف من الضرر الاقتصادي الواقع عليهم من جهة، ويخفف من التوتر الذي يحيط باللاجئين والأجانب من جهة أخرى.
ويبقى على منظمات المجتمع المدني السورية و التركي، والقادة المجتمعيين مسؤولية التحرك لإيجاد حلول حقيقية تساعد الحكومة التركية على قوننة أوضاع اللاجئين لاسيما من يعانون من بعض المشاكل، وفتح حوارات شفافة من أجل تطوير نظام الحماية المؤقتة الذي ينظم وجود مالا يقل عن 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا، ومن أجل تسهيل منحهم أذونات عمل بشكل نظامي يسهم في ضمان حقوقهم من جهة وفي توازن سوق العمل بشكل لا يضر نظراءهم الأتراك من جهة، ما قد يؤدّي إلى تخفيف حدة التوتر بين الأتراك والأجانب وفي عدم التسبب بضرر كبير للإنتاج في تركيا.
كما يشير الوضع الحالي إلى ضرورة تحرك منظمات المجتمع المدني السورية والشخصيات البارزة من السوريين والأجانب لتوعية جالياتهم بشأن عدم التصرف بشكل مستفز للأتراك والسعي لعدم مخالفة القوانين والآداب العامة بما يخفف من الضغط الحاصل عليهم، خاصّةً أن الأحزاب المعادية للأجانب تنتظر ظهور أبسط التصرفات المخالفة للقانون أو المستفزة للشعب التركي من أجل تأجيج الأوضاع من جديد ضد اللاجئين والأجانب.