أقلام المنتدى

النظام والتنظيم.. تعاون واستثمار

أثارت العملية الأخيرة التي نفذتها فصائل محلية في مدينة جاسم في محافظة درعا التي استهدفت خلايا تابعة لتنظيم “داعش” في المدينة؛ أثارت التساؤلات مجددًا عن قدرة التنظيم على العودة إلى مناطق كانت قد سيطرت عليها قوات نظام الأسد منذ أغسطس عام 2018، عبر عملية تسوية بإشراف روسي للسيطرة على كامل محافظة درعا والمناطق المحيطة على امتداد الحدود السورية الأردنية وصولًا للجولان المحتل.

تلك العودة لم تكن بمحض الصدفة، فقد كشفت وكالات أنباء محلية عن أسر الفصائل المحلية لقيادي في التنظيم في مدينة جاسم ويُدعى ” رامي الصلخدي” خلال العملية العسكرية التي أطلقتها لتطهير المدينة من الخلايا، حيث كشف الأخير عبر تسجيل فيديو بُثَّ قبل يوم واحد من العثور على جثة الصلخدي في ساحة المدينة؛ كشف عن تعاون بين قوات نظام الأسد وخلايا تتبع لتنظيم “داعش” في المنطقة، متحدثًا عن اجتماع جرى بينه وبين قائد “الأمن العسكري” في درعا العميد “لؤي العلي” بهدف تنسيق استهداف أفراد من مدينة جاسم دون تحديد هويتهم، وبحسب التسجيل فقد زوّد “الأمن العسكري” الصلخدي بأسلحة فردية لتسهيل عمليات استهداف أبناء المدينة.

وكشفت مصادر محلية أن عدد عناصر التنظيم لم يكن يتجاوز 15 عنصراً في المدينة، وارتفع إلى 100 عنصر في الشهر الماضي، وأن تلك الزيادة كانت بمثابة إيجاد حجة لقوات نظام الأسد لاقتحام المدينة، وأضافت المصادر أن عناصر التنظيم لم يقوموا باستهداف عناصر النظام في المنطقة  واقتصرت عملياتهم على استهداف قادة سابقين في “الجيش الحر” ومدنيين، ما يشير إلى توظيفهم من جانب أجهزة النظام الأمنية لتصفية معارضي النظام من جهة، ولكي يكون وجودهم ذريعة لإخضاع مدن درعا من جهة أخرى.

ذلك التعاون المتبادل لم يكن الأول ولن يكون الأخير غالبًا، فقد سبق ذلك مرات عديدة ظهر فيها تعاون وثيق بين خلايا للتنظيم وقوات نظام الأسد في استهداف المعارضين للطرفين وخاصة قوى الثورة والمعارضة السورية،  فقد احتل تنظيم “داعش” سابقًا مساحات شاسعة من سوريا في فترة زمنية قصيرة بتسهيل من نظام الأسد، وبتلك السيطرة لم يخرج التنظيم عما يُراد منه في استهداف قوى الثورة من شخصيات معارضة وقادة ميدانيين ووجهاء وصحفيين، وضرب المعارضة للاستيلاء على المناطق المحررة، مقابل ذلك ترك نظام الأسد حرية الحركة لعناصر التنظيم في مناطق سيطرته كما كشف مسؤولون أمريكيون من بينهم قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال “فرانك ماكري”.

تقود المعلومات السابقة إلى أن حالة التناغم بين نظام الأسد والتنظيم في استهداف قوى الثورة السورية ليست حالة خاصة أبدًا، هذه المعلومات أصبحت تؤكد يومًا بعد يوم ما كان معلوماً بالضرورة عبر التحليل، فتنظيم “داعش” في نهاية المطاف كان الأداة المثالية لكافة أعداء الشعب السوري، وخشبة الخلاص لنظام الأسد وحلفائه، فهي حلقة متصلة من التعاون والاستثمار المستمر بين تنظيمات الغلو والتطرف والأنظمة الاستبداية فيما يشبه توقيع مذكرة عدم اعتداء غير معلنة، كانت بدايتها التعاون الحاصل بين النظام الإيراني وتنظيم القاعدة، الجماعة التي خرَّجت من كنفها  العديد من تنظيمات الغلو والتطرف في المنطقة، حيث لجأ عدد من قيادات القاعدة في إيران[1] فيما بعد انهيار نظام طالبان الأول في أفغانستان عام 2001.

ذلك الاستقرار أو الهروب من قيادات القاعدة كان مرحبًا به من النظام الإيراني لعدة أهداف كان أولها تحييد خطر القاعدة والتنظيمات التي تدور في فلكها عن شن هجمات في الداخل الإيراني وكذلك لفترة طويلة حيَّد تنظيم القاعدة المصالح الإيرانية في العراق -قبل أن ينقض ذلك أبو مصعب الزرقاوي- والثاني الاستثمار في التنظيم في أهداف بعيدة لضرب أهداف الولايات المتحدة في الخليج العربي، الأمر الذي أكدته وثائق آبوت آباد التي أشارت إلى أن الإيرانيين عرضوا على بعض عناصر القاعدة من السعوديين ممن وجدوا فيهم بعض التجاوب معهم وحداثة السن تزويدهم بالمال والسلاح لضرب الأهداف الأمريكية في الخليج، بل حتى الذهاب للتدريب في معسكرات حزب الله اللبناني.

الملفت للنظر أن  هنا أن القاعدة كانت تَعتبر أن تحييد إيران  والمحافطة على الهدوء معها[2] من الحنكة السياسية كونها ممر للسلاح والأموال “للمجاهدين”، في حين كانت إيران تستثمر في حالة التنظيمات المتطرفة، والقاعدة هنا مثال عليها أضعاف مااستفادت هي منها، فبالإضافة للنتيجيتين السابقتين استفاد النظام الإيراني من ورقة قيادات القاعدة الموجودين على أراضيه بالتحفظ عليهم وعرض تسليمهم للولايات المتحدة عقب سقوط نظام صدام حسين مقابل تسليم الأخيرة أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة العاملة في العراق، وهذا ما رفضته إدارة بوش لاحقًا.

 الابتزاز الإيراني الصريح وجّه عناصر القاعدة لخطف عدد من الدبلوماسيين والمسؤولين الإيرانيين في الخارج للمساومة على إطلاق سراح اللاجئين من القاعدة الذي تحولوا بفعل هذا الابتزاز إلى معتقلين، الأمر الذي استثمرته إيران مجددًا في إطلاق سراح عناصر للقاعدة وإرسالهم إلى حيث ينفعها وجودهم كما حصل في إطلاقها سراح اثنين من قيادات القاعدة ليظهرا في سوريا بعد مدة قبل أن يستهدفهم طيران التحالف، الأمر الذي يعزز من رواية نظام الأسد  في محاربة  الإرهاب من ناحية، ويعطي شرعية للوجود الإيراني في سوريا بنفس الحجة، رغم أنه كان سبباً من أسباب وجود ذلك الإرهاب فيها.

يُستنتج من كل ماسبق أن أحداث درعا خصوصًأ أو سوريا  عمومًا ليست حالة خاصة من التعاون وتبادل المصالح بين جانبين ولاعبين محليين، فالأمر عبارة عن زواج مصلحة بين الأنظمة الاستبدادية من جهة وتنظيمات الغلو والتطرف من جهة أخرى، ولكن اليد العليا والاستفادة الأكبر فيها هي للأنظمة الاستبدادية، ففرط القوة يجعلك تستثمر في عدوك وصديقك على حدٍ سواء،  كما في حال النظام الإيراني وربيبه نظام الأسد، وقد لايخرج عن ذلك الهجوم الأخير في مدينة شيراز الإيرانية على أحد المراقد الشيعية فيها والذي تبناه تنظيم “داعش” في الوقت الذي تبدو  فيه الاحتجاجات المناهضة للسلطات الإيرانية في طور الخروج عن السيطرة، فقد يكون يكون ظهور التنظيم في هذه الفترة الحرجة في إيران من تحريك الإيرانيين أنفسهم  لوأد الحراك الشعبي ضد الحكومة، باتهام جماعات “سلفية ووهابية” بشن الهجوم، كما  طُبِّق سابقًا وبنجاح باهر في سوريا إبان بداية الثورة السورية.

المصادر:


[1] كما تكشف إحدى وثائق آبوت آباد كتبها أحد قادة القاعدة في الحديث عن العلاقة المحرمة مع إيران نشرتها مجلة لونج وور جورنال.
للاستزادة يمكن الرجوع إلى إصداري المركز:
[2] مع أن كاتب الوثيقة السابقة يبين رؤية القاعدة لإيران ويقول: كسائر الدول المنتسبة للإسلام زورًا وبهتانا، وأنها دولة الروافض المارقين، دولة زنادقة الرفض، وأنها الدولة الداعمة لمشروع الرافضة المدمر لأمتنا، وانها عدو لنا على المدى البعيد.
مقالات الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى