ما سبب الانفتاح السعودي على نظام الأسد؟ وما الذي يقدّمه ثمن إعادة تأهيله؟
شكّل وصول وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد إلى جدة، البداية الرسمية لعودة العلاقات بين دمشق والرياض، بعد انقطاع استمر نحو 12 عاماً، كانت فيه السعودية رأس حربة في قائمة الدول التي سعت للإطاحة ببشار الأسد “سلماً أو حرباً” وفق ما صرح به وزير الخارجية السعودي السابق “عادل الجبير”.
اللافت أن السعودية لا تريد فقط إعادة علاقاتها مع دمشق بشكل فردي، لكنها تسعى اليوم إلى إعادة مقعد بشار الأسد في الجامعة العربية، وتحقيق إجماع عربي بهذا الخصوص.
وتسعى الرياض من خلال هذا الحراك على المستوى الفردي ومستوى الجامعة العربية إلى غايات عديدة أهمها:
- إثبات قيادتها للموقف العربي مجدداً بعد أن سعت بداية الثورة السورية إلى تجميد عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية.
- التقرّب إلى الصين وروسيا اللتين باتتا حليفين أقرب للرياض من ذي قبل، وإلى إيران التي تم توقيع اتفاق معها، قد يكون من شروط طهران فيه أن ترعى السعودية عملية إعادة سوريا “إلى الحضن العربي”، ولا يُستبعد كذلك أن بكين وموسكو طلبتا ذلك بشكل مباشر من ولي العهد السعودي.
- إغلاق الملفات التي فتحتها السعودية بعد موجة الربيع العربي، في سوريا واليمن والبحرين ولبنان، وتهدئة أوضاع الجارة الشرقية “العراق”.
هذا الإجماع العربي الذي تسعى إليه السعودية يبدو أنه ليس مُتاحاً والطريق إليه ليست مُعبّدة، فثمّة على الأقل خمس دول لا تزال رافضة لعودة الأسد للجامعة العربية أو إعادة العلاقات معه كسابق عهدها، وفق ما صرّحت به صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
ورغم أن هذه الدول الخمس تتّفق في هذا المبدأ، إلا أنها تختلف في الغايات والأسباب التي على أساسها اتّخذت قرارها. ويمكن إجمال مواقف تلك الدول فيما يلي:
- دولتا قطر والكويت ترفضان خطوة عودة الأسد وتأهيله لسبب جوهري في الملف السوري، يتعلق بعدم تحقيق الأسد أيّ خطوات في طريق الحلّ السياسي أو تنفيذ القرارات الدولية.
- دولتا المغرب واليمن ترفضان الخطوة لأسباب لا تتعلق بالملفّ السوري نهائياً، بل تتعلق بملفات تخصّها، فيما يشبه سياسة الابتزاز، فالمغرب يشترط وقف نظام الأسد دعم جبهة البوليساريو الانفصالية “المدعومة من جارتها اللدود الجزائر”، أما اليمن (الحليف للسعودية) فيرفض إعادة العلاقات مع الأسد بسبب دعمه للحوثيين.
- موقف وسطي تمثّله مصر، التي تربطها علاقات دبلوماسية مع دمشق (لم تنقطع أصلاً منذ وصول السيسي للحكم عقب الانقلاب العسكري عام 2013)، لكنها ترفض إعادة تأهيل الأسد قبل تطبيق إصلاحات سياسية تضمن مشاركة المعارضة في الحكم، وأن يكون للسوريين رأي في تقرير مصيرهم.
اللافت في موقف مصر أنه يُفترض أنه صادر عن دولة حليفة للسعودية، ما يفسّر بشكل أو بآخر انعكاس الخلافات السعودية المصرية على تعاطي القاهرة مع الملف السوري.
“وول ستريت جورنال” نقلت عن مسؤولين عرب (لم تكشف هوياتهم وجنسياتهم أو وظائفهم) أن بعض الدول التي تعارض إعادة قبول النظام ضاعفت من مطالبها، بما في ذلك قمع تهريب المخدرات غير المشروع، ومطالبة إيران بالتوقّف عن توسيع نفوذها في البلاد، ومطالب أخرى عديدة.
لا تتوقف خطوات السعودية – بحسب الصحيفة الأمريكية- إلى التطبيع مع الأسد وإعادته للجامعة العربية، إنما في حال تم التوافق معه على النقاط الخلافية، فمن شأن هذه الخطوة أن تفتح الطريق للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات عن بشار الأسد.
رغم كلّ الجهود العربية لإعادة تأهيل بشار الأسد، إلا أنه يبدو حريصاً على إعادة العلاقات مع الدول العربية دون تقديم أيّ تنازلات تُذكر، وفق ما ذكرت “وول ستريت جورنال”، وهذا ما يعني بشكل قطعي عدم جدوى ما تصفه السعودية والدول المطبّعة مع الأسد بأنه “سعي لإتمام الحل السياسي في سوريا”، فالأسد لن يتخلى عن سياسته القمعية والأمنية التي يرى أركان نظامه أنه بسببها حافظ على بقائه ونجا من السقوط المحتّم، ولا سيما أن لسان حال الأسد يقول للدول العربية التي تتهافت إليه: ما لم أقدّمه لكم وكنت قد فقدت ثلاثة أرباع البلاد وأنا في حضيض العجز، لن أقدّمه اليوم وقد استعدت السيطرة على معظم البلاد، وبتّ في موقع يسمح لي بأخذ ما ينفعني، وإهمال ما لا أراه يصبّ في مصلحتي، ومن عاشر المستحيلات أن أبتعد عن إيران التي دعمتني عندما حاربتموني، وأقدّم لكم الثقة “المعدومة أصلاً”.
مساعد باحث في مركز الحوار السوري، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية