المناطق الصناعية ودورها في التنمية في الشمال السوري
شكلت الثورة الصناعية التي بدأت في بريطانيا في القرن الثامن عشر[1] ثم انتشرت لباقي أوربا وأمريكا الشمالية واليابان بداية تكون العالم الحديث، ولا زالت الصناعة حتى اليوم من أهم مؤشرات النهضة في أي دولة، لذلك كان تطوير الصناعة هو الأساس في خطط أغلب الحكومات التي تسعى لتحقيق نمو اقتصادي خصوصا مع دور الصناعة الفاعل في تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والتجارة[2].
ومن محاور تطوير الصناعة تقديم التسهيلات الجمركية في الاستيراد للمواد الأولية للصناعة وتصدير المواد الجاهزة، وتقديم الدعم للصناعات المحلية، والتشريعات القانونية والجمركية لتطوير وحماية الصناعة المحلية، والتخفيضات الضريبية، وتجهيز البنية التحتية التي تساعد على تطوير الصناعة.
وكثيرا ما لجأت الدول لإقامة المدن الصناعية ذات البنية التحتية القادرة على تلبية متطلبات الصناعات من طرق وطاقة ومياه وصرف صحي وخدمات مالية وخدمات لوجستية واجتماعية وسكانية.
وفي سوريا بعد عام 2000 تم إنشاء العديد من المدن الصناعية مثل المنطقة الصناعية في حسياء، والمدينة الصناعية في عدرا، والمناطق الصناعية في حلب ودير الزور:
اسم المدينة | المحافظة | سنة التأسيس | المساحة بالهكتار | عدد الوحدات | عدد الوحدات العاملة |
مدينة حسياء الصناعية[3] | حمص | 2004 | 2495 | 3650 | 1096 |
مدينة عدرا الصناعية[4] | ريف دمشق | 2000 | 7000 | 6000 | 3650 |
مدينة الشيخ النجار الصناعية[5] | حلب | 2004 | 4412 | 6122 | 830[6] |
مدينة دير الزور الصناعية[7] | دير الزور | 2007 | 2850 | 771 | 168[8] |
جدول رقم (1) المدن الصناعة في سوريا قبل 2011من إعداد كاتب المقالة وفق المراجع المذكور |
ولكن مع بدء الثورة السورية عام 2011 تأثرت كافة القطاعات الاقتصادية نتيجة قرار نظام الأسد تدمير سوريا مقابل عدم تنازله عن الحكم، فتعرضت كثير من المناطق الصناعية للتدمير، وانسحاب المستثمرين منها نتيجة هذه الظروف واختلال الوضع الأمني[9]، حتى وصلت الخسائر في الاقتصاد السوري 442 مليار دولار أمريكي مع تعرض كثير من البنى التحتية والمشاريع الحيوية للدمار[10].
ومع خروج مناطق الشمال السوري عن سيطرة نظام الأسد والهدوء النسبي للعمليات العسكرية في المنطقة التي سُميت لاحقا منطقة “خفض التصعيد”، بدأ اقتصاد هذه المناطق يحاول العودة للنمو والإنتاج، فشهد القطاع الصناعي محاولات للبدء في العمل ولكن بمجهودات شخصية قبل أن تتدخل الجهات الحكومية ( من مجالس محلية وحكومة سورية مؤقتة وغرف التجارة والصناعة وجهات تركية) في محاولة تنمية وتنظيم الاقتصاد، ومع وجود بعض الفرص لتطور الاقتصاد في الشمال على محدوديتها، تم إنشاء بعض المدن الصناعية في الشمال السوري مع تجهيزها ببنية تحتية مناسبة لقيام الصناعات فيها، وكانت هذه المناطق نتيجة للتعاون بين السلطات المحلية القائمة (المجالس المحلية والحكومية السورية المؤقتة و “حكومة الإنقاذ”) وبين المستثمرين في هذه المدن الصناعية.
وقد ساهمت هذه المدن الصناعية في نمو الصناعات وتقديم الخدمات الأساسية لها من خلال توفير المساحات المناسبة للنشاطات الصناعية، وتوفير خدمات من طرق وطاقة ومياه واتصالات وصرف صحي، وقد منحت بعض المدن الصناعية بعض الميزات والتسهيلات لأصحاب المصانع مثل الحصول على أذن سفر لتركيا، والترويج لهذه الصناعات، وتوفير الطاقة وغيرها من مستلزمات الإنتاج[11].
والمناطق الصناعية القائمة حالياً في الشمال السوري موضحة وفق الجدول أدناه:
اسم المدينة | المكان | سنة التأسيس | المساحة بالهكتار[12] | عدد الوحدات | عدد الوحدات العاملة | تكلفة الإنشاء التقديرية مليون دولار | عدد فرص العمل الموفرة |
المدنية الصناعية الأولى في الباب[13] | مدينة الباب | 2018 | 56.1 | 500 | 50 | 45 | 6000 |
المدينة الصناعية بالراعي[14] | مدينة الراعي | 2020 | 200 | 856 | 100[15] | 20000 | |
المدينة الصناعية في اعزاز[16] | مدينة اعزاز | 2019[17] | 18.5 | 45[18] | – | – | – |
مدينة مارع الصناعية[19] | مدينة مارع | [20]2021 | 130 | 317 | 100 | – | 2000 |
المدينة الصناعية في جرابلس[21] | مدينة جرابلس | 2021 | 10 | 200[22] | 100 | – | – |
المدينة الصناعية في باب الهوى[23] | مدينة إدلب | 2021 | 50 | 258[24] | 1000[25] | 15000 | |
جدول رقم (2) المدن الصناعية في مناطق خفض التصعيد من إعداد كاتب المقالة وفق المراجع المذكور |
المدن الصناعية تؤمن للمستثمرين فيها في الصناعات العديد من الميزات أهمها:
- الحصول على الطاقة الكهربائية بأسعار مخفضة، مما يؤثر على خفض تكاليف الإنتاج[26].
- تأمين البنية التحتية من طرقات وصرف صحي ومياه وخدمات الإنترنت[27].
- إتاحة الفرصة للشراء بالتقسيط في بعض المدن الصناعية[28].
- توفر خيارات متنوعة من المساحات التي يمكن شرائها حسب متطلبات المستثمر[29].
- توفر الأمن والحماية ومنظومات الرقابة والكاميرات للمنشأة الصناعية في المدن الصناعية[30].
- منح أصحاب المعامل أذونات السفر لتركيا من المعابر الرسمية مجاناً[31].
- الفرصة في المشاركة في المعارض التجارية التركية لمدة سنتين[32].
- توفير فرص عمل جديدة للأيدي العاملة وبالتالي التخفيف من البطالة[33].
هذه أبرز الميزات التي تساهم فيها المدن الصناعية في تطوير وتنمية الصناعة والاقتصاد في مناطق خفض التصعيد، ولكن ما تزال هذه المناطق تعاني من صعوبة تصريف الفائض من الإنتاج في الأسواق الخارجية عبر التصدير، ومن منافسة البضاعة المستوردة للصناعات المحلية، ومن الفوضى الأمنية في المنطقة، والقصف الذي يطالها، وتغيرات أسعار صرف العملات، ومن عدم وجود حوكمة في اغلب قطاعات السلطات المحلية القائمة[34]، كل هذه العوامل أدت إلى تقليل الدور الإيجابي للمدن الصناعية في تنمية الاقتصاد في المنطقة، ويظهر ذلك من قلة عدد المنشـآت المستثمرة حالياً في هذه المدن، كمثال على ذلك، مدينة الباب الصناعية تم استثمار 10% فقط من المصانع المتاحة حسب ما مر في جدول رقم2، ولذا، يلزم أن تتكاتف الجهود بين الجهات المعنية كافة من أجل إزالة عقبات نمو المدن الصناعية وازدهار الصناعات فيها، لأن هذا النمو سيعزز النمو الاقتصادي للمنطقة والتعافي المبكر من آثار الحرب، وسيؤثر على تطور القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل الزراعة والتجارة والخدمات، وأيضا سيؤمن فرص عمل مما يقلل من البطالة العالية، وبالتالي يخرج المجتمع السوري من وضع الطوارئ والاعتماد على المساعدات، ويتم التحول تدريجياً لمجتمع منتج قادر على الاعتماد على نفسه، وتحقيق وفر في الإنتاج للتصدير وتحقيق فائض مالي للمنطقة ككل تساهم في نموها في جميع القطاعات.
مساعد باحث في الشؤون الاقتصادية في مركز الحوار السوري